للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: العدد الذي يؤكد به إنما يكون تأكيدًا مؤخرًا تابعا لما قبله، فأما إذا قُدِّم لم يجز ذلك؛ لأنه في معنى الوصف، والوصف لا يُقدَّم على الموصوف، فلا تقول: "ثلاثة إخوتك جاءوني"، وهذا بخلاف "كل وكِلا وكِلتا"؛ لأن فيها معنى الإحاطة، فصارت كالحرف الداخل لمعنى فيما بعده، فَحَسُن تقديمهما في حال الإخبار عنهما، وتأخيرهما في حال التوكيد، فهذا قوة (١) هذا المذهب كما ترى.

فائدة (٢)

لا يؤكَّد بـ "أجمع" الفرد مما يعقل؛ ولا ما حقيقته لا تتبعَّض، وهذا إنما يؤكد به ما يتبعَّض كجماعة من يعقل فجرى مجرى "كل".

فإن قيل: فقد تقول: رأيت زيدًا أجمع، إذا رأيته بارزًا من طاق ونحوه.

قيل: ليس هذا توكيدًا في الحقيقة لزيد؛ لأنك لا تريد حقيقتَه و"ذاتَه وإنما تريد به ما تُدْرك العينُ منه.

و"أجمع" هذه اسم معرفة بالإضافة، وإن لم يكن مضافًا في اللفظ؛ لأن معنى: قبضتُ المَال أجمع، أي كلَّه، فلما كان مضافًا في المعنى تعرَّف ووكِّد به المعرفة، وإنما استغنوا عن التصريح بلفظ المضاف إليه معه، ولم يستغن عن لفظ المضاف [إليه] مع "كل" إذا قلت: قبضتُ المالَ كلَّه؛ لأن "كلا" تكون توكيدًا وغير توكيد، وتتقدم في أول الكلام، نحو "كلكم ذاهب" فصار بمنزلة "نفسه" و"عينه"؛ لأن كل واحد منهما يكون توكيدًا وغير توكيد، فإذا أكدته


(١) (ظ ود): "في".
(٢) "نتائج الفكر": (ص/ ٢٨٦).