للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآخرة، ولبئس المولى ولبئس العشيرُ، فهذا أحدُ النوعين.

والنوع الثاني: من يُعِينُهُ الشيطانُ وإن لم يستعِنْ به، وهو الحاسدُ؛ لأنه نائبُهُ وخليفتُهُ؛ لأنَّ كِلَيْهما عدوُّ نِعَمِ الله تعالى ومنغِّصُها (١) على عباده.

فصل

وتأمل تقييدَهُ -سبحانه- شرَّ الحاسد بقوله: {إِذَا حَسَدَ (٥)}؛ لأن الرجل قد يكون عندَهُ حَسَدُ ولكن يُخفيه ولا يُرَتِّبُ عليه أذىً (٢) بوجهٍ ما, لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده, بل يجدُ في قلبه شيئًا من ذلك, ولا يعامِلُ (٣) أخاه إلا بما يُحِبُّ اللهُ, فهذا لا يكاد يخلو منه أحدٌ, إلا مَنْ عَصمَهُ اللهُ.

وقيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: ما أنساكَ إخوةَ يوسُفَ (٤). لكن الفرقَ بين القوة التي في قلبه من ذلك وهو لا يطيعُها ولا يأتمرُ بها, بل يعصِيها طاعةً لله وخوفًا وحياءً منه وإجلالًا له أن يكرَهَ نِعَمَه على عباده, فيرى ذلك مخالفةً لله وبغضًا لما يُحِبُّ اللهُ ومحبةً لما يبغضُه, فهو يجاهدُ نفسَه على دفع ذلك, ويُلْزِمُها بالدُّعاء للمحسود, وتمنِّي زيادةِ الخير له, بخلاف ما إذا حقق ذلك وحَسَد, ورتَّب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح, فهذا الحسدُ المذمومُ هو كلُّه حسد تمنِّي الزوال.


(١) (د): "ومبغضها".
(٢) (ق): "ولا يرتّب عليه أذى أخيه ... ".
(٣) (ظ ود): "يعاجل".
(٤) أخرجه هناد بن السَّري في "الزهد": (٢/ ٦٤٢).