للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قسمين: داعٍ لله تَضَرُّعًا وخُفْية، ومُعْتدٍّ (١) بترك ذلك.

فصل

وقوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: ٥٦]، قال أكثرُ المفسرين: لا تُفسدوا فيها بالمعاصي والدُّعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إيَّاها ببعث الرُّسُل وبيان الشريعة والدُّعاء إلى طاعة الله، فإن عبادةَ غير الله، والدَّعوة إلى غيره، والشِّرك به هو أعظمُ (٢) فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشِّرك به ومخالفة أمره، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي} [الروم: ٤١] وقال عطيّة: في الآية: "ولا تعصُوا في الأرض، فيُمْسِكَ الله المطر، ويُهْلِكَ الحرثَ بمعاصيكم" (٣)، وقال غيرُ واحد من السَّلَف: "إذا قحط المطر فإن الدَّوابَّ تلعِنُ عُصاةَ بني آدم وتقول: اللَّهُمَّ العنْهم فبسببهم أجدبتِ الأرضُ، وقحط المطرُ" (٤).

وبالجملة فالشِّرْكْ والدعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسوله = هو أعظمُ الفساد في الأرض ولا صلاحَ لها ولا لأهلها إلاّ بأن يكون: الله وحدَه هو المعبودَ، والدَّعوة له لا لغيره، والطاعةُ والاتِّباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجبُ طاعته إذا أمر بطاعة الرسول، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شرعِه فلا سَمْعَ له ولا طاعةَ, فالله تعالى أصلحَ الأرضَ برسوله ودينه وبالأمر بتوحيده،


(١) (ظ): "متعد".
(٢) من قوله: "طاعة الله ..... " إلى هنا ساقط من (ق).
(٣) ذكره البغوي في "تفسيره": (٢/ ١٦٦).
(٤) أخرجه الطبري: (٢/ ٥٩) عن مجاهد بنحوه، وذكره البغوي في "تفسيره": (١/ ١٣٤).