للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)} [البقرة: ١٩٠]، وعلى هذا فيكون قد أمرَ بدعائه وعبادته وأخبرَ أنه لا يحِبُّ أهلَ العُدوان، وهم الذين يدعونَ معه غيرَه، فهؤلاء أعظمُ المعتدينَ عُدوانًا، فإن أعظمَ العُدوان الشِّرْك, وهو وضعُ العبادة في غير موضعها، فهذا العُدوان لا بُدَّ أن يكونَ داخلًا في قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)} [الأعراف: ٥٥].

ومن العُدوان أن يدعوَهُ غيرَ مُتَضَرِّع، بل دعاءَ مدِلٍّ، كالمستغني بما عندَهُ، المُدِلِّ على ربِّه به، وهذا من أعظم الاعتداء المُنافي لدعاء الضَّارع الذليل الفقير المِسكين مِنْ كُلِّ جهة في مجموع حالاته، فما لم يسألْ مسألةَ مسكينٍ متضرِّعٍ خائفٍ فهو معتدٍ.

ومن الاعتداء أن تعبدَهُ بما لم يشرعْهُ، وتُثني عليه بما لم يُثْنِ به على نفسه ولا أَذِنَ فيه، فإن هذا اعتداءٌ في دعاء الثّنَاء والعبادة، وهو نظيرُ الاعتداء في دعاء المسألة والطَّلَب، وعلى هذا فتكون الآية دالَّةً على شيئين:

أحدهما: محبوبٌ للرَّبِّ تعالى، مُرْضٍ له، وهو الدُّعاء تَضَرُّعًا وخُفية.

والثاني: مكروهٌ له مبغوض مسخوطٌ وهو الاعتداء، فأمر بما يحِبُّهُ وندبَ إليه، وحذَّر مما يُبْغِضُه وزَجَر عنه بما هو من (١) أبلغ طرق الزجر والتحذير، وهو أنه لا يحبُّ فَاعلَه، ومن لم يحبَّهُ الله فأيّ خير يناله، وفي قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)} عقب قوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥]، دليل على أن من لم يدعُهُ تضرُّعًا وخُفْيَةً فهو من المُعتدينَ الذين لا يُحِبُّهم، فقسمتِ الآيةُ الناسَ إلى


(١) من (ع).