للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكتسبوا الضلالَ من أنفُسِهم (١) بل فُعِلَ فيهم، ولا مُسْتراح في هذا للقدرية، فإنّا نقول: إنهم هم الذين ضلوا، وإن كان الله أضلهم، بل فيه رد على الجبرية الذين لا ينسبون إلى العبد فعلًا إلا على جهَة المجاز لا الحقيقة، فتضمنت الآية الردَّ عليهم كما تضمن قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} الرد على القدرية، ففي الآية إبطال قول الطائفتين، والشهادةُ لأهل الحق أنهم هم المصيبون، وهم المثبتون للقدر توحيدًا وخلقًا، والقدرةِ لإضافة أفعالِ العبادِ إليهم عملًا وكسبًا، وهو مُتَعَلَّق الأمر والنهي (٢)، كما أن الأول مُتَعَلَّق الخلق والقدرة (٣)، فاقتضت الآيةُ إثبات الشَّرْع والقَدَر والمعاد والنبوَّة، فإن النعمة والغضب هو ثوابه وعقابه، فالمُنْعَم عليهم رسله وأتباعهم ليس إلا، وهداية أتباعهم إنما يكون على أيديهم، فاقتضت إثبات النبوة بأقربِ طريقٍ وأبينها وأدلِّها على عموم الحاجة وشدَّة الضرورة إليها، وأنَه لا سبيل للعبد أن يكون من المُنْعَم عليهم إلا بهداية الله له، ولا تُنال هذه الهداية إلَّا على أيدي الرُّسل، وأن هذه الهداية لها ثمرة، وهي: النعمة التامة المطلقة في دار النعيم، ولخلافها ثمرة، وهي: الغضب المقتضي للشَّقاءِ الأبدي، فتأمل كيف اشتملت هذه الآية -مع وجازتها واختصارها- على أهمِّ مطالب الدين وأجلِّها، والله الهادي إلى سواء السبيل.

فصل

وأما المسألة الخامسة عشرة: وهي ما فائدة زيادة "لا" بين المعطوف


(١) "الضلال" من (ظ ود)، و"أنفسهم" من (ق).
(٢) في "المنيرية": "العمل".
(٣) من قوله: "لإضافة أفعال ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).