للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)} [طه: ٦٦] ولو كانت تحركت بنوع حيلة -كما يقوله المنكرون- لم يكن هذا من السحر في شيء, ومثل هذا لا يخفى, وأيضًا: لو كان ذلك بحيلة -كما قال هؤلاء- لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزِّئبق وبيان ذلك المحال, ولم يحتجْ إلى إلقاء العصا لابتلاعها, وأيضًا: فمثل هذه الحيلة لا يحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة, بل يكفي فيها حُذَّاق الصُّنَّاع, ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة وخضوعه لهم ووعدهم بالتقريب والأجر (١) , وأيضًا: فإنه لا يقالُ في ذلك: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} , فإن الصناعات يشتركُ الناس في تعلُّمها وتعليمها, وبالجملة فبطلانُ هذا أظهرُ من أن يتكلف رده فلنرجعْ إلى المقصود.

فصل

الشرُّ الرابع: شرُّ الحاسد إذا حسد, وقد دلَّ القرآنُ والسُّنَّةُ على أن نفسَ حسد الحاسد يؤذي المحسود, فنفس حسده شرٌّ يَتَّصِلُ بالمحسود من نفسه وعينه, وإن لم يؤذِهِ بيده ولا لسانه, فإن الله تعالى قال: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)} , فحقَّق الشرَّ منه عند صدور الحسد.

والقرآنُ ليس فيه لفظة مهملة, ومعلوم أن الحاسد لا يسمَّى حاسدًا إلا إذا قام به الحسد, كالضارب والشاتم والقاتل ونحو ذلك, ولكن قد يكون الرَّجُلُ في طبيعته الحسد, وهو غافل عن المحسود لاهٍ عنه, فإن خطر على ذكره وقلبه انبعثت نارُ الحسد من قلبه إليه, ووجهتْ إليه سهام الحسد من قَلْبه (٢) , فيتأذَّى المحسودُ بمجرد


(١) (ظ ود): "والإجزاء".
(٢) (ظ): "قِبَله" ولها وجه.