للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، فإن لم يستعذْ باللهِ ويتحصَّنْ به, ويكون له أورادٌ من الأذكار والدَّعوات والتَّوَجُّه إلى الله والإقبال عليه, بحيثُ يدفعُ عنه من شرِّه بمقدار توجهه وإقباله على الله, وإلا ناله شر الحاسد ولابدَّ, فقوله تعالى: {إِذَا حَسَدَ (٥)} بيان؛ لأن شرَّهُ إنما يتحقَّقُ إذا حصل منه الحسدُ بالفعل.

وقد تقدم في حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ الصحيح رُقْيَةُ جبريلَ - عليه السلام - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وفيها: "بسم الله أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ, مِنْ شَرِّ كلِّ نَفْسٍ أو عَيْنِ حَاسِدٍ, الله يَشْفِيكَ" (١) , فهذا فيه الاستعاذة من شر عين الحاسد, ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها؛ إذ لو نظر إليه نظرَ لاهٍ ساهٍ عنه, كما ينظرُ إلى الأرض والجبل وغيره لم يؤثِّرْ فيه شيئًا؛ وإنما إذا نظر إليه نَظَرَ من قد تكيَّفَتْ نفسُه الخبيثةُ, واتسمَّت واحْتَدَّتْ, فصارت نفسًا غضبيةً خبيثةً حاسدة أثَّرت بها (٢) تلك النظرةُ, فأثَّرت في المحسود تأثيرًا بحسب صفة ضعفه وقوَّة نفس الحاسد, فربَّما أَعْطَبَهُ وأهلكَه, بمنزلةِ من فوَّق سهمًا نحو رَجُلٍ عُرْيَان فأصاب منه مقتلًا, وربما صرعه وأمرضَهُ, والتَّجارِبُ عند الخاصَّةِ والعامَّةِ بهذا أكثرُ من أن تُذْكَرَ.

وهذه العينُ إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة, وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا غضِبَت (٣) واحتدَّت, فإنها تتكيَّفُ بكيفيَّة الغضب والخبث فتُحْدِثُ فيها تلك الكيفيةُ السُّمَّ فتؤثر في الملسوع, وربما قَوِيَتْ تلك الكيفيةُ واشتدَّتْ في نوعٍ منها حتى


(١) تقدم ص / ٧٤٢.
(٢) (ق): "فاقترفت بها".
(٣) (ظ ود) والمطبوعات: "عضَّت"، وما في (ق) أصحّ معنًى.