للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُؤَثِّرَ بمجرد نظرة فتطمسُ البصر وتسقطُ الحَبَلَ, كما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأبتر وذي الطُّفْيَتَيْن منها, وقال: "اقْتُلُوهُمُا, فإنَّهُما يَطْمِسَانِ (١) البَصَرَ ويُسْقِطَانِ الحَبَلَ" (٢).

فإذا كان هذا في الحيَّات, فما الظَّنُّ في النفوس الشِّريرة الغَضَبِيَّة الحاسدة إذا تكيَّفت بكيفيَّتِها الغضبيّة واتسمَّت وتوجَّهت إلى المحسود بكيفيَّتها؟! فللهِ كم من قتيل, وكم من سَلِيب, وكم من معافيً عاد مضنيً على فراشه يقول طبيبُه: لا أعلمُ داءَه ما هو = فصدقَ!! ليس هذا الدَّاءُ من علم الطبائع, هذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفياتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها.

وهذا علمٌ لا يعرفُهُ إلَاّ خواصُّ النَّاسِ, والمحجوبونَ مُنكرونَ له, ولا يعلمُ تأثيرَ ذلك وارتباطه بالطبيعة وانفعالها عنه إلّا من له نصيبٌ من ذوق, وهل الأجسام إلا كالخشب الملقى؟ وهل الإنفعالُ والتأثُرُ وحدوث ما يحدثُ عنها من الأفعال العجيبة والآثار الغريبة إلَاّ للأرواحِ, والأجسامُ آلتُها, بمنزلة آلة الصانع, فالصنعةُ في الحقيقة له, والآلاتُ وسائطُ في وصول أثره إلى الصنع.

ومن له أدنى فِطْنة, وتأمَّلَ أحوالَ العالم ولطُفَتْ رُوْحُه, وشاهدتْ أحوالَ الأرواح وتأثيراتها, وتحريكها الأجسام وانفعالها عنها, كلُّ ذلك بتقدير العزيز العليم, خالق الأسبابِ والمسببات = رأى (٣)


(١) (ظ): "يلتمسان" وهو موافق لرواية مسلم: "يلتمس البصر".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٢٩٧)، ومسلم رقم (٢٢٣٣) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحوه، وفي "الصحيحين": "يستسقطان الحَبَل".
وذو الطُّفْيَتين والأبتر: جِنْس من الحيَّاتْ الخبيثة.
(٣) تعلق بقوله: "ومن له أدنى فطنة ... ".