للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: ٥] وكقوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)} [النمل: ٦٦]، ونظائره، ويسمَّى هذا: إضرابًا وخُروجًا من قصَّةٍ إلى قصَّةٍ.

وإذا قلتَ: "ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو" فله معنيانِ:

أحدهما: أنك نفيتَ المجيءَ عن زيدٍ وأثبتَّهُ لعَمرو، وهذا قولُ الأكثرينَ.

الثاني: أنكَ نفيتَ المجيءَ عنهما معًا فنسبتَ إلى الثاني حكمَ الأوَّلِ، وأنت حكمتَ على الأوَّل (١) بالنفيِ، ثم نسبتَ هذا الحكمَ إلى الثاني.

والتحقيقُ في أمرِ هذا الحرفِ: أنه يُذْكَرُ لتقرير ما بعدَهُ نفيًا كان أو إثباتًا، فالنظرُ فيه في أمرينِ: فيما قبلَهُ، وفيما بعدَهُ، ولما لم يفصِلْ كثيرٌ من النُّحَاةِ بين هذينِ النظرينِ، وَقَعَ في كلامِهم تخليطٌ كتيرٌ في معناه، فنقول:

أما حكمُ ما بعدَهُ فالتَّقريرُ والتَّحقيقُ، وهو شبيهٌ بمصحوبِ "قد"، وتجريدُ العنايةِ بالكلامِ إلى ما بعدَهُ أهمُّ عندهم من الاعتناءِ بما قَبْلَهُ، فقوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: ١٦] المقصودُ (٢) تقريرُ هذه الجملةِ الإضرابُ عن قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٤ - ١٥]، وكذلك قوله {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: ١٧] المقصود تقريرُ هذا النفيِ (٣) وتحقيقُه لا الإضرابُ عن


(١) (ظ): "عليه".
(٢) (ظ) زيادة: "منه".
(٣) (ظ): "المعنى".