للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرقُ بينَه وبين عامل الزكاة: أنَّ عامل الزكاة مستأجرٌ من جهة الإمام لجباية أموال المستحقين لها وجمعها، فما يأخذه يأخذُهُ بعمله، كَمَن يستأجرُهُ الرجل لجباية أمواله، وأما الحاكمُ فإنه منتصبٌ لإلزام الناس بشرائع الرَّبِّ -تعالى- وأحكامه وتبليغها إليهم، فهو مبلغٌ عن الله بفُتياه، ويتميَّزُ عن المفتي بالإلزام بولايته وقدرته. والمبلِّغُ عن الله الملزمُ للأُمَّة بدينه، لا يستحقُّ عليهم شيئًا، فإن كان محتاجًا فله من الفيء ما يَسُدُّ حاجَتَهُ، فهذا لَوْن وعامل الزكاة لَوْن، فالحاكم مفْتٍ في خبره عن حكم الله ورسوله شاهدٌ فيما ثبت عنده، مُلْزم لمن توجَّهَ عليه الحقُّ، فيشترطُ له شروط المفتي والشاهد، ويتميَّزُ بالقُدْرة على التنفيذ فهو في منصب خلافةِ مَنْ قال: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: ٩٠]، فهؤلاء هم الحَكَّامُ (ق/ ٢٦٥ أ) المقدَّرُ وجودهم في الأذهان، المفقودون في الأعيان، الذين جعلهم الله ظلالًا، يأوي إليها اللَّهْفان، ومناهِلَ يَرِدُها الظمآنُ.

فائدة

إذا قال إنسان لآخر: "أَنْفِذْ لي كتابًا"، فحلف أنه قد أنفذَهُ أمسِ، فبان أنه قد أنفذَه قبلَه بيوم.

قال ابن عقيل: لا يحنَثُ، لا لأجل الخطأ والنسيان؛ بل لأنَّ قصدَهُ تصديقُ نفسِه في الإنفاذ الذي هو مقصودُ الطالب، وإذا بان أن المقصودَ قد حصل قبل أمس، فقد بان أنه قد حصل أوْفَى المقصود، كما لو حلف: "لقد أعطيتُك دينارًا"، فبان أنه أعطاه دينارين.


= والبيهقي: (٦/ ٤) عن عمر -رضي الله عنه- بسندٍ صحيح، صححه الحافظ ابن حجر في "الفتح": (١٣/ ١٦١)، وابن كثير في "التفسير": (٢/ ٨٥٣).