للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستورًا مشهورًا بالخير حتى كبا به جوادُه، ونبا عَضْبُ صبره، وأديل عليه شيطانه، فلا يتسارَعُ إلى تأنيبه وعقوبته، بل تُقالُ عَثْرَتُهُ (١) ما لم يكنْ حدًّا من حدود الله، فإنه يتعيَّنُ استيفاؤُه من الشَّريف، كما يتعيَّنُ أخذه من الوضيع، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لوْ أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، وقال: "إنما هَلَكَ بنُو إسْرَائِيل أنَّهُمْ كانوا إذا سَرَقَ فيهم (٢) الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ" (٣)، وهذا بابٌ عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة وسياستها للعالمَ، وانتظامها لمصالح العباد في المعَاشِ والمَعَادِ.

فائدة

اعترض نفاة المعاني والحكم على مُثبتيها في الشَّريعة بأن قالوا: الشَّرْعُ قد فرَّق بين المتماثلات، فأوجبَ الحَدَّ بشربِ الخمر، ولم يحدَّ بشرب الدَّم والبول وأكل العَذِرة، وهَي أخبثُ من الخمر، وأوجبَ قطعَ اليدِ (٤) في سرقة رُبُع دينار ومنَعَ قطعها في نُهْبَة ألف دينار، وأوجب الحَدَّ في رمي الرجل بالفاحشة، ولم يوجِبْه في رميه بالكفر وهو أعظمُ منه، ولم يرتِّبْ على الرِّبا حدًّا مع كوَنه من الكبائر، ورتَّبَ الحَدَّ على شرب الخمر والزِّنا وهما من الكبائر.

فأجاب المُثْبِتونَ: بأن قالوا: هذا مما يدُلُّ على اعتبار المعاني


(١) "بل تقال عثرته" سقطت من (ع).
(٢) من (ظ).
(٣) أخرجه البخاري رقم (٣٤٧٥)، ومسلم رقم (١٦٨٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٤) (ق): "القطع".