للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* المحشر : هل هو في أرض من أراضي الجنة؟ أو في أرض من أراضي الدُّنيا؛ أوفي موضع لا من الجنَّة ولا من النَّار؟ فقد قيل: أوَّلُ حشر النَّاس عند قيامهم من قبورهم في هذه الأرض التي ماتوا ودفنوا فيها، ثم يُحَوَّلون إلى الأرض التي تسمى: السَّاهرة، فهذا معنى قوله: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)} [النازعات: ١٤]، والسَّاهرة: هي التي يحاسَبُون عليها (١)، فإذا فَرَغوا من الحساب، جازوا (٢) على الصراط، وتميز بين المُجرمينَ والمؤمنينَ، ضُرِبَ بينهم بسُور، فكان ما وراءَ السُّور مما يلي الجنة: من أرض الجنة، وصار ما دونَ السُّور مما يلي النَّار من أرض جهنم، وموضع الحساب يصير من جهنم.

* قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم: ٦] المراد الأمر في الدنيا؛ لأن الآخرة ليس فيها أمرٌ ولا نهيٌ على: الملائكة ولا غيرهم؛ لأن التَّعَبُّدَ زائلٌ، وفي البخاري (٣) عن علي: "اليومَ عَمَلٌ ولا حِسَابٌ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلا عَمَلٌ".

قلت: هذا وهمٌ منه رحمه الله تعالى، فإنَّ الله تعالى يأمُر الملائكة يومَ القيامة بأخذ الكفار والمجرمينَ إلى النَّار وسَوْقهم إليها وتعذيبهم فيها، ويأمر عبادَهُ بالسُّجود له، فيَخرُّون (ق/٢٤٨ أ) سُجَّدًا، إلا من منعه الله من السُّجود، ويأمر المؤمنينَ فيعبرونَ الصَّراطَ، ويأمر خَزَنَةَ الجنَّة بفتحها لهم، ويأمر خَزَنَةَ النار بفتحها لأهلها، ويأمرُ ملائكةَ السموات بالنزول إلى الأرض، ويأمر بشأن البعث كلِّه وما بعده، فالأمر يومئذ لله ولا يُعصى الله في ذلك اليوم طَرْفَةَ عينٍ، وأوامرُه


(١) انظر الأقوال فيها في "زاد المسير": (٤/ ٣٩٥).
(٢) (ق وظ): "وجازوا".
(٣) "الفتح": (١١/ ٢٣٩) معلقًا، ووصله ابن أبي شيبة: (٧/ ١٠٠) وغيره.