للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما تعلَّقَ بفردٍ بعينه، لكنه جهِلَ فاستفيدَ علمُهُ من القُرعة، ولما جُهِلَ صار كالمعدوم؛ إذ المجهولُ المطلَقُ في الشريعة كالمعدوم، وليس لنا طريِقٌ إلى اعتباره موجودًا إلا بالقُرْعة.

فإذا قطعتِ القُرْعَةُ الحقَّ المشتركَ من غير المُعَيِّن، فَلأَنَ تُعَيِّنَ مجهولًا لا سبيلَ إلى تعيينه إلا بها أولى وأحرى.

وإن شئتَ قلتَ: إخراجُ المجهول أيسر من تعيين المُبْهَمِ، وأوسعُ طريقًا، وأقلُّ مانعًا؛ لأن المبهم لم تثبتْ له حقيقةٌ معيَّنَةٌ بعد، ولا سيَّما: إذا كان مشتركًا بين أفراد تقتضيه اقتضاء واحدًا، فليس ثبوت التعيين لفرد أولى من ثبوته لغيره، والمجهولُ قد ثبتَتْ له حقيقةٌ أولًا ثم جُهِلَتْ، فيكفي في الدلالة عليها أيُّ دليل وُجِدَ، وأيُّ علامةٍ أمكنت، فإنها علامةٌ ودليلٌ على وجودها لا عِلَّةٌ لآنيتَها، وتعَيّن (١) المبهَم ليس دليلًا محضًا بل هو كالعِلَّةِ لآنيته وثُبوته، فإذا صلحت القرعةُ لتعيين المُبهم؛ فَلأَنْ تَصْلُحَ للدَّلالةِ على المجهول بطريق الأولى. ونحن لا ندَّعي -ولا عاقلٌ- أن القُرعة تجعلُ المخرج بها هو متعلَّق الحكم في نفس الأمر، يل نقولُ: إن القرعة تجعل المخرجَ بها متعلَّقَ الحكم ظاهرًا وشرعًا، وهو غايةُ ما يقدرُ عليه المكلَّف، ولم يكلِّف اللهُ علمَ الغيب ولا موافقةَ ما أن نفس الأمر، بل القرعةُ عندنا لا تزيد على البَيِّنةَ والنُّكول والأمارات الظاهرة التي هي طرقٌ لفصل النزاع.

فصل (٢)

وأما القاعدة الثالثة: وهي قاعدةُ الشَّكِّ: فينبغي أن يُعْلَمَ أنه ليس


(١) كذا في (ق)، وبقية النسخ محتملة الرسم.
(٢) (ق): "فائدة".