للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الشَّريعة شيءٌ مشكوكٌ فيه ألبتةَ، وإنما يعرض الشَّكُّ للمكلَّف لتعارُض أمَارتين فصاعدًا عنده، فتصيرُ المسألة مشكوكًا فيها بالنسبة إليه، ففي شَكِّيةٌ عنده، وربما تكون ظَنِّيَّةً لغيره أو له في وقت آخر، وتكون قطعيةً عند آخرين، فكون المسألةِ شكيَّة أو ظنيَّة أو قطعية ليس وصفًا ثابتًا لها، بل هو أمرٌ يعرِض لها عند إضافتها إلى حكم المكلَّف، وإذا عُرِف هذا فالشَّكُّ الواقعُ في المسائل نوعانِ:

أحدهما: شكٌّ سببه تعارُض الأدلة والأمارات، كقولهم في سؤُر البغل والحمار مشكوكٌ فيه فيُتوضأ به ويُتَيَمَّمُ، فهذا الشَّكُّ لتعارض دليلي الطهارة والنجاسة (١)، وإن كان دليلُ النجاسة لا يقاوِمُ دليل الطهارة، فإنه لم يقم على تنجيس سؤرهما دليلٌ، وغاية ما احتجَّ به لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحُمُر الأهلية: "إنها رِجْسٌ" (٢)، والرِّجْسُ هو: النَّجَسُ، وهذا لا دليلَ فيه؛ لأنه إنما نهاهم عن لحومها، وقال: "إنها رجسٌ" ولا ريب أن لحومَها (٣) ميتة لا تعمل الذَّكاةُ فيها، ففي رِجْسٌ، ولكن من أين يلزم أن تكونَ نَجِسَةً في حياتها حتى يكون سُؤْرُها نَجِسًا؟ وليس هذا موضعَ المسألة.

ومن هذا: قولهم للدم الذي تراه المرأة بين الخمسينَ سنة إلى الستِّين: إنه مشكوكٌ فيه، فتصومُ وتصلِّي وتقضي فرضَ الصوم لتعارض دليلي الصِّحَّة والفساد، وإن كان الصحيحُ أنه حيْضٌ، ولا معارضَ (٤)


(١) (ظ): "الظاهر عن الصحابة"!.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٩٩١) و (٤١٩٨) وغيرها، ومسلم رقم (١٩٤٠) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
(٣) (ظ): "شحومها".
(٤) (ق وظ): "تعارض".