للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجودُ من هذين أن يقالَ: ذنبُ الرِّبا أكبرُ من أن يُطَهِّره الحَدُّ، فإنَّ المرابيَ محاربٌ للُّه ورسوله آكلٌ للجمر، والحَدُّ إنما شُرعَ طُهْرةً وكفارةً، والمرابي لا يزولُ عنه إثم الرِّبا بالحدِّ، لأن جُرمه أعظمُ من ذلك، فهو كَجُرم مفطر رمضانَ عمدًا من غير عُذْر، ومانعُ الزكاة بخلًا، وتاركُ صلاة العصر، وتارك الجمعة عمدًا، فإنَّ الحدود كفاراتٌ وطُهَرٌ، فلا تعملُ إلا قي ذنب يقبل (ق/٢٦٢ ب) التكفيرَ والطُّهْرَ.

ومن هذا: عدمُ إيجاب الحَدِّ بأكل أموال اليتامى؛ لأنَّ آكِلَها قد وجبِتْ له النارُ، فلا يؤثِّرُ الحَدُّ في إسقاط ما وجب له من النار.

وكذلك تركُ الصلاة هو أعظمُ من أن يُرَتَّبَ عليه حَدٌّ، ونظير هذا اليمينُ الغموسُ هي أعظمْ إثمًا من أن يكون فيها حَدٌّ أو كفارة.

وإذا تأمَّلْتَ أسرار هذه الشريعةِ الكاملةِ وجدتَها في غاية الحكمة ورعاية المصالح، لا تفرِّقُ بين متماثلين ألبتَّةَ ولا تُسَوِّي بين مختلفين، ولا تحرِّمُ شيئًا لمفسدة، وتبيحُ ما مَفْسَدتُه مساويةٌ -لما حَرَّمَتْه- أو راجحةٌ عليه، ولا تُبيح شيئًا لمصلحة وتُحَرِّمُ ما مصلحته مُساويةٌ لما أباحَته ألبتة، ولا يوجدُ فيما جاء به الرسول شيءٌ من ذلك ألبتة.

ولا يلزمُه الأقوالُ المستندةُ إلى آراء الناس وظنونِهم واجتهاداتِهم، ففي تلك من التفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات، وإباحةِ الشيء وتحريمِ نظيره -وأمثال ذلك- ما فيها.

فائدة (١)

سُئل ابنُ عقيل عن كشف المرأة وجهَها في الإحرام مع كثرة


(١) (ق): "مسألة". وانظر: "إعلام الموقَّعين": (١/ ٢٢٢ - ٢٢٣، و"تهذيب السنن": (٢/ ٣٥٠ - ٣٥٢)