للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فائدة

قوله في الحديث الصحيح: "إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ" (١) يجوز فيه وجهان:

فتحُهما معًا، وهو الأشهرُ والأفصحُ، وهما مبنيانِ على الفتح، للتركيب المتضمن للحرف (٢) كقولهم: "هو جاري بيتَ بيتَ" والمعنى: بيتُهُ إلى بيتي، ومنه قولهم: "همزة بَيْنَ بَيْنَ"، و"فُلانٌ يأتيكَ صَبَاحَ مَسَاءَ ويَوْمَ يَوْمَ"، و"تَرَكوا البلادَ حيْثَ بَيْثَ وحاثَ باثَ"، و"وقعوا في حَيْصَ بَيْصَ". وأصل هذا كله: "خَمْسَةَ عَشَرَ" وبابه، فإن أصلَهُ قبلَ التركيبِ العطفُ، فرُكِّب وبُني لتضمُّنِه معنى حرف العطف، ولا كذلك: "بَعْلَبَكُّ" وبابُه؛ لأن الاسمين في "خمسة عشر" مقصود دلالتهما قبل التركيب بخلاف "بَعْلَبَكَّ".

الوجه الثاني: بناء "وراءَ وراءَ" على الضمِّ كالظروف المقطوعة على الإضافَةِ، ورجح هذا بعضُ المتأخرين محتجًّا بما أنشده الجوهري في "صحاحه" (٣) بالضم:

إذا أَنا لَمْ أُؤْمَنْ عليْكَ ولم يَكُنْ ... لِقَاؤُكَ إلَّا مِنْ وَرَاءُ وراءُ (٤)

هكذا أنشده بالضمِّ، وعلى هذا فـ "وراء" الأولى بُنيت كبناء "قبلُ وبعدُ" إذا قُطِعَتا، وفي الثانية أربعة أوجهٍ:


(١) أخرجه مسلم رقم (١٩٥) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-.
(٢) (ظ): "للحذف".
(٣) (٦/ ٢٥٢٣).
(٤) وذكره في "الكامل": (١/ ٨٥) منسوبًا إلى عُتَيّ العُقَيلي.