للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن يكونَ بناؤُها كذلك أيضًا على تقديرِ "مِن" فيها أي: "مِنْ وراءُ منْ وَرَاءُ"، حُذِفت "منْ" اكتفاء بالأولى.

الثاني: أن تكون تأكيدًا لفظيًّا للأولى، وتَبِعَتْها في حركةِ البناء لقُوَّتِها، ولأنَّ لها أصلًا في الإعراب وبناؤُها عَارضٌ، فهي كحركةِ المنادى المفرد، كقولك: "يا زيدُ زَيْدٌ".

الثالث: أن يكونَ بَدَلًا منها.

الرابع: أن يكون عَطْفَ بيان (١)، كقوله (٢):

إنِّي وأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرًا ... لَقَائِلٌ: يا نَصْرُ نَصْرٌ نَصْرًا

وهذان الوجهانِ عند التحقيقِ لا شيء؛ لأن الشيءَ لا يبدَلُ بنفسِه إلَّا باختلافٍ مَّا في تعريف وتنكير، أو إظهارٍ وإضمارٍ، ومع الاتِّحادِ من كلِّ وجهٍ لا يبدلُ أحدُهما من الآخر لخلوِّ هذا الإبدال عن الفائدة، وكذلك عطفُ البيان، فإنَّ الشيءَ لا يَتَبَيَّنُ بنفسِه، ولا يُفْهَم حقيقة عطفِ البيان بينَ لفظينِ متساويينِ من جميعِ الوجوهِ.

وعلى الوجهِ الأوَّلِ وهو فتحهُما ففيهما وجهانِ:

أحدهما: البناءُ كما تقدَّم تقريره.

والثاني: الإعرابُ، وتكون فتحةُ "وراءَ" فتحةَ إعراب، ولكنه غيرُ منصرف، وتقريره: أن "وراءَ" لما لم يقصدْ بها قصدَ مضافٍ بعينه صارت كأنها اسمٌ مستقبل بنفسِهِ، وهو عَلَمٌ جنسيٌّ لمطلَقِ الخلفية


(١) من قوله: "وبناؤها عارض. . ." إلى هنا ساقط عن (ق).
(٢) الرَّجَز لرؤية بن العجاج "ديوانه": (ص/ ١٤٧ - الملحق)، وانظر "الكتاب": (٢/ ١٨٥)، و"الخصائص": (١/ ٣٤٠).