للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويمتازُ أحدهما عن الآخر بالنَّقْط، وهذه جهةٌ من جهات التعبير. وهذا قولٌ فاسد جدًّا! ولم يكن النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدركُ شيئًا من الخَطِّ أصلاً، ولا هذه جهةٌ: صحيحةٌ من جهات التأويل، فلا يؤوَّلُ النردُ بالبَرْد، ولا الزَّبَد بالزَّنْد (١)، ولا العين بالغَبْن، ولا الحَيَّة بالجنة، وأمثال ذلك.

وقيل: وجه الشبة أن البقر معها أسلحتُها التي تقاتل بها وهي قرونُها، وكانتِ العربُ تستعملُ الصَّيَاصِيَ (٢) والقُرونَ في الرِّماح عند عدم الأسِنَّةِ. وهذا أقربُ من الأول، ولكنه مشتركٌ بين المسلمين والكفار، فإن كل طائفة معها سلاحُها.

وأجودُ من هذين أن يقال: وجهُ التشبيه أن الأرض لا تُعْمَرُ ولا، تُفْلح إلا بالبقر، فهم عمارَةُ الأرض، وبها صلاحُ العالم وبقاءُ معيشتهم وقوامُ أمرِهم، وهكذا المؤمنون، بِهم صلاحُ الأرض وأهلها وهم زينتُها، وأنفعُ أهل الأرض للناس، كما أن البقر أنفع الدَّوابِّ للأرض، ومن وجه آخَرَ وهو: أن البقر تُثير الأرضَ وتُهَيِّئُها (٣) لقبول البَذْر (ق/٢٨٤ أ) وإنباته، وهكذا أهلُ العلم والإيمان يثيرونَ القلوبَ ويُهَيِّئونها لقبول بذر الهدى فيها ونباته وكماله، والله أعلم.

فائدة (٤)

قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَى عِيسَى رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ: سَرَقْتَ. قال: كَلاّ


(١) "ولا ... " سقطت من (ظ)، و (ق): "ولا الزند بالزبد" والنَّقط غير محرر، ويمكن قراءته على أنحاء شتى.
(٢) هي القرون نفسها.
(٣) (ع): "وترخيها".
(٤) ليست في (ظ)، وانظر "إغاثة اللهفان": (١/ ١٨٣)، و "فتح الباري": (٦/ ٥٦٥).