للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)} [يوسف: ٢٦، ٢٧]، وتقول: إن كانت البيِّنة شهدت بكذا وكذا فقد صدقت، وهذه دقيقة خَلَت عنها كتب النحاة والفضلاء، وهي كما ترى وضوحًا وبرهانًا ولله الحمد.

المسألة الثالثة (١): المشهور عند النحاة والأصوليين والفقهاء أن أداة "إن" لا يعلَّق عليها إلا محتمل الوجود والعدم، كقولك: "إن تأتني أكْرِمْك"، ولا يعلق عليها محقَّق الوجود، فلا تقول: "إن طلعت الشمس أتيتك"، بل تقول: "إذا طلعت الشمس أتيتك"، و"إذا" يعلق عليها النوعان.

واستشكل هذا بعض الأصوليين، فقال: قد وردت "إن" في القرآن في معلوم الوقوع قطعًا كقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] وهو سبحانه يعلم أن الكفار في ريب منه. وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} [البقرة: ٢٤] ومعلوم قطعًا انتفاء فعلهم.

وأجاب عن هذا بأن قال: إن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية، بل الأوضاع العربية (٢) مبنية على خصائص الخلق، والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب، وعلى منوالهم، فكل ما كان في عادة العرب حَسَنًا؛ أنزل القرآن على ذلك الوجه، أو قبيحًا لم ينزل


(١) انظر: "الفروق": (١/ ٩٢ - ٩٣) للقرافي، وهو الذي أشار إليه المصنف بإيراد الإشكال وجوابه.
(٢) "بل الأوضاع العربية" ساقط من (د).