للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به، فعيَّرهم المشركون، وقالوا: قَبُحْتُم من وفدٍ بعثكم قومُكم لتعْلَموا خبرَ الرجل، ففارقتم دينكم وتبعتموه ورغبتم عن دين قومكم (١). فأخبر عنهم -سبحانه- بأنهم خاطبوهم خطابَ متاركةٍ وإعراضٍ وهجرٍ جميل، فقالوا: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)} [القصص: ٥٥]، وكان رفع "السلام" متعيِّنًا؛ لأنه حكاية ما قد وقع، ونصب "السلام" في آية الفرقان متعيِّنًا؛ لأنه تعليم وإرشاد لما هو الأكمل والأوْلَى للمؤمن أن يعتمده إذا خاطبه الجاهل، فتأمل هذه الأسرار التي أدناها يساوي رحلة، والله المحمود وحدَه على ما منَّ به وأنعم.

وهي المواهبُ مِن ربِّ العبادِ فما ... يُقال: لولا، ولا: هَلَاّ، ولا: فَلِما

فصل

وأما السؤال الثانى عشر: وهو ما الحكمة في تسليم الله على أنبيائه ورسله، والسلام هو طلب ودعاء، فكيف يُتصوَّر من الله؟.

فهذا سؤال له شأن ينبغي الاعتناء به ولا يهمل أمره، وقلَّ من يُدْرك سره إلا من رزقه الله فهمًا خاصًّا وعناية، وليس هذا من بابَة (٢) أبناء الزمان، الذين غاية فاضلهم نقلاً أن يحكي قيلًا وقالًا! وغاية فاضلهم بحثًا أن يبدي احتمالًا أو يُبرر إشكالًا! وأما تحقيق العلم كما ينبغي:

فَلِلْحُرُوبِ أُناسٌ يُعرفون (٣) بِها ... وَللدَّواوِينِ كُتَابٌ وَحُسَّابُ


(١) ذكره ابن إسحاق في "السيرة": (١/ ٣٩١).
(٢) (ظ ود): " باب"، والمنيرية: "شأن" والمثبت من (ق).
(٣) (ظ ود): "قائمون".