للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي لا يُلَقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم، وتفسير السلف وألفاظهم صريحة بهذا المعنى.

وتأمل كيفَ جمعت الآيةُ وصفَهم في حركتي الأرجل والألْسُن، بأحسنها وألطفها وأحكمها وأوقرها (١)، فقال: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أي: سكينة ووقارًا، والهَوْن -بفتح الهاء-: من الشيء الهَيِّن، وهو مصدر "هان هونًا" أي: سَهُل، ومنه قولهم: "يمشي على هِيْنته"، ولا أحسبها إلا مُوَلَّدة: ومع هذا فهي قياس اللفظة، فإنها: على بناءِ الحالة والهيئة، فهي فِعْلَة من الهَوْن، وأصلها: هِوْنته، فقلبت واوها ياءً لانكسار ما قبلها، فاللفظة صحيحة المادة والتصريف.

وأما الهوْن -بالضم- فهو: الهوان، فأعْطَوا حركةَ الضم القوية للمعنى الشديد، وهو "الهوان" وأعطوا حركة الفتح السهلة للمعنى السهل وهو "الهوْن"، فوصف مشيهم بأنه مَشْيُ حلم ووقار وسكينة، لا مشيُ جهلٍ وعُنْف وتبختر، ووصف نُطقهم بأنه سلام، فهو نُطق حِلْم وسكينةٍ ووقارٍ، لا نطقُ جهل وفُحْش وخَنَا وغِلْظة، فلهذا جمع بين المشي والنطق فى الآية، فلا يليق بهذا المعنى الشريف العظيم الخطير أن يكون المراد منه "سلام عليكم"، فتأمله (٢).

وأما قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)} [القصص: ٥٥]، فإنها وصفٌ لطائفةٍ من مؤمني أهل الكتاب، قَدِموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكةَ فآمنوا


(١) "وأحكمها" ليست في (ق)، وبعدها في (ظ): "وأوفاها" و (د): "وأجلها وأوفاها".
(٢) بعده في (ق) عبد لا مدلول لها، مكررة عما سبق.