للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وإذا تأملتَ القرآنَ وتدبّرْتَهُ، وأَعَرتَهُ (١) فكرًا وافياً، اطَّلَعْتَ فيه من أسرار المناظرات، وتقرير الحُجَجِ الصحيحة، وإبطال الشُّبَهِ الفاسدَةِ، وذِكْر النقض والفَرْق، والمعارضة والمنع، على ما يَشفي ويَكفي لمن بصَّره اللهُ. وأنعمَ عليه بفهم كتابِهِ.

* فمن ذلك: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: ١١، ١٢] فهذه مناظرةٌ جرت بين المؤمنين والمنافقينَ، قال لهم المؤمنون: {لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}، فأجابهم المنافقون بقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، فكأن المناظرةَ انقطعت بين الفريقين، ومَنَعَ المنافقونَ ما ادَّعى عليهم أهلُ الإيمان من كونهم مُفْسِدِينَ، وأن ما نسبوهم إليه إنما هو صلاحٌ لا فسادٌ، فحكَمَ العزيز الحكيمُ بينَ الفريقينِ، بأن أسْجَلَ على المنافقينَ أربع إسجالات:

أحدها: تكذيبهم.

والثاني: الإخبارُ: بأنهم مفسِدون.

والثالث: حصرُ الفسادِ فيهم بقوله: {هُمُ الْمُفْسِدُونَ}.

والرابع: وصفهم بغايةِ الجهلِ، وهو أنه لا شعورَ لهم ألبتةَ بكونهم مفسِدِينَ:

وتأمَّلْ كيف نفى الشعورَ عنهم في هذا الموضِعِ (٢)، ثم نفى عنهم


(١) (ق): "واعتبرته"، وتحرفت في (ظ).
(٢) (ق): "هذه المواضع".