للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسمَّى الآية جامعة أي: عامَّة شاملةً (١)، باعتبار اسم الشرط، فدلَ على أن أدواتِ الشرط للعموم، وهذا في مخاطبتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ومحاورتِهِ أكثرُ من أن يذكرَ، وإنما يجهله من كلامه - صلى الله عليه وسلم - من لم يُحِطْ به علماً.

وتأملْ قوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي استفتاه عن امرأته، وقد ولدَتْ غلامًا أسودَ، فأنكر ذلك، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "ألَكَ إبِلٌ؟ " قال: نعم، قال: "فَما ألْوانُها"؟ قال: سُوْدٌ، قال: "هَلْ فِيها مِنْ أوْرقَ"؟ قال: نعم "قال: "فَأنَّى لهَ ذلِكَ قال: عسى أن يكونَ نَزْعَةَ عِرْقٍ، قال: "وهذا عَسَى أنْ (ق / ٣٦٢ أ)، يكُونَ نَزْعَةَ عِرْق" (٢)، كيف تضمَّنَ إلغاء هذا الوصف الذي لا تأثيرَ له في الحكم، وهو مجرَّد اللَّون، ومخالفة الولد للأبوين فيه، وأنَّ مثل هذا لا يوجب ريبةً، وأنَّ نظيرَهُ في المخلوقات مشاهدٌ بالحسَّ، والله خالقُ الإبَلِ وخالقُ بني آدَمَ، وهو الخلَّاقُ العليمُ، فكما أن الجملَ الأورقَ قد يتولَّدُ من بين أبوينِ (٣) أسودينِ، فكذلك الولدُ الأسود قد يتولَّدُ من أبوينِ أبيضينِ، وأنَّ ما جوَّزَ به من سبب ذلك في الإبل، هو بعينِهِ قائمٌ في بني آدَمَ.

فهذه من أصَحَ المناظرات، والإرشادِ إلى اعتبار ما يجبُ اعتبارُهُ من الأوصافِ، وإلغاءِ ما يجِبُ إِلغاؤُه منهما، وأنَّ حكمَ الشيءِ حكمُ نظيرِهِ، وأنَّ العللَ والمعانيَ حقٌّ شرْعًا وقَدَراً.


(١) (ع): "فسمَّى الآية جامعة لهن، عامة شاملة" وهو وجيه.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٣٠٥)، ومسلم رقم (١٥٠٠) من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه -.
(٣) (ع): "ولدين" وكذا ما بعدها.