للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصدقًا لما بين يديه من كتاب موسى وغيره، فكان فيه كالنيابة (١) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله لقومه: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٩] أي: لم أكن أولَ رسولٍ بُعث إلى أهل الأرض، بل قد تقدمت قبلي رسل من الله إلى الأمم، وإنما بُعِثت مصدقًا لهم بمثل ما بعثوا به من التوحيد والإيمان، فقال مؤمنوا الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)} [الأحقاف: ٣٠] أي: إلى سبيل مطروقٍ قد مرَّت عليه الرسل قبله، وأنه ليس بِبِدْع كما قال في أول السورة نفسها، فاقتضت البلاغة والإعجاز لَفظ "الطريق"؛ لأنه "فَعِيل" بمعنى "مفعول"، أي: مطروق مَشَت عليه الرسل والأنبياء قبلُ، فحقيق على من صدق رسل الله وآمن بهم أن يؤمن به ويصدقه، فذكر الطريق هاهنا إذًا أولى؛ لأنه أدخل في باب الدعوة والتنبيه على تعين أتباعه، والله أعلم. ثم رأيتُ هذا المعنى بعينه قد ذكره السُّهيلي (٢) فوافق فيه الخاطرُ الخاطرَ.

فصل

وأما المسألة الرابعة: وهى إضافته إلى الموصول المبهم: دون أن يقول: صراط النبيين والمرسلين، فقيه ثلاث فوائد:

أحدها: إحضار العلم وإشعار الذهن عند سماع هذا، بأنَّ استحقاقَ كونهم من المنْعَم عليهم هو بهدايتهم إلى هذا الصراط، فبه صاروا من أهل النِّعمة، وهذا كما يُعَلَّق الحكم بالصلة دون الاسم الجامد (٣)


(١) (ظ ود): "كالنبأ".
(٢) في "النتائج": (ص/ ٣٠٤).
(٣) سقطت من (ظ ود).