للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عائشةَ قالت: "قلت: يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠] هو الرجلُ يزني ويسرقُ ويخافُ؟ قال: "لا يَا بِنتَ الصِّدِّيقِ هُوَ الرَّجُل يَصُومُ وَيُصَّلِّي وَيَخَافُ أنْ لا يُقْبلَ مِنْهُ" (١) فمن ظَلَمَ ثمَّ تابَ فهو أولى بالخَوْفِ، وإنْ لمْ يكنْ عليه خَوْف.

وقد يجيء الانقطاعُ في هذا الاستثناء من وجهٍ آخَرَ، وهو أن ما بعد "إلَاّ" جملة مستقلّةٌ بنفسها، فهي منقطعة مما قبلَها لانقطاع (٢) ألجُمَل بعضِها عن بعض، فيُسَمَّى منقطعًا بهذا الاعتبار كما تقدم نظيرُه، والله اعلم.

المثال الحادي عشر: قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)} [الانشقاق: ٢٢ - ٢٥] فهذا يبعُدُ تقدير دخوله فيما تقدَّم قبلَه جدًّا، وإنما هو أخبارٌ عن مآل الفريقين (٣)، فلما بشَّر الكافرينَ بالعذاب بشَّر المؤمنينَ بالأجر غيرِ الممنون، فهذا من باب المثاني الذى يذكرُ فيه الشئ وضِدُّه , كقوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار: ١٣ - ١٤] فليس هناك مقدَّرٌ يخرج منه هذا المستثنى, والله أعلم.


(١) أخرجه الترمذى رقم (٣١٧٥) , وابن ماجة رقم (٤١٩٨) وأحمد: (٦/ ١٥٩ و ٢٠٥) والحاكم فى "المستدرك": (٢/ ٣٩٣) وصحح إسناده! إلا أن الراوى عن عائشة -وهو عبد الرحمن بن سعيد بن وهب- لم يلقها, قاله أبو حاتم كما فى "المراسيل": (ص/ ١٢٧) لابنه.
وللحديث شاهد من حديث أبى هريرة أخرجه الطبرانى فى "الأوسط": (٤/ ١٩٨).
(٢) (ع): "انقطاع الجمل", و (ظ): "مما قبلها داخلة فى انقطاع ... ".
(٣) (ق): "عما للفريقين".