للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخوفَ عن المُرسلين وأثبته لمن ظَلَمَ ثم تاب، وعلى تقدير الدخول يكون المعنى: "ولا غيرهم إلا من ظلم".

وأما قول بعض الناس: إنَّ "إلاّ" بمعنى الواو، والمعنى: "ولا مَنْ ظلمَ " فَخَبْطٌ منه، فإن هذا يرفع الأمانَ عن اللُّغة ويُوقِعُ اللَّبْسَ في الخطاب، و"الواو"، و"إلاّ" متنافيان، فأحدُهُما يثبتُ للثاني نظيرَ حكم الَأول، والآخر (١) ينفي عن الثاني ذلك، فدعوى تَعاقبهما دعوى باطلة لغةً وعرفًا، والقاعدةُ: أن الحروف لا ينوبُ بعضُها عن بعض خوفًا من اللَّبْسِ وذهاب المعنى الذي قُصِدَ بالحرف، وإنما يُضَمَّنُ الفعل ويُشْرَبُ معنى فعلٍ آخَرَ يقتضي ذلك الحرفَ، فيكونُ ذكرُ الفعل مع الحرف الذي يقتضيه غيره قائمًا (٢) مقامَ ذكر الفعلين، وهذا من بديع اللغة وكمالها، ولو قُدِّر تعاقُب الحروف، ونيابة بعضها عن بعض، فإنما يكونُ ذلك إذا كان المعنى مكشوفًا واللَّبْسُ مأمونًا، فيكون من باب التفنّن في الخِطاب والتَّوَسّع فيه، فإما أن يُدَّعَى ذلك من غير قرينة في اللَّفظ فلا يَصِحُّ، وسنُشْبعُ الكلامَ على هذا في فصل مفرد إن شاء الله تعالى.

والذي حملَهم على دعوى ذلك أنهم لما رَأَوا الخوفَ مُنتفيًا عن المذكور بعد "إلاّ" ظنُّوا أنها بمعنى الواو لكون المعنى عليه، وغلِطوا في ذلك، فإن الخوفَ ثابت له حالَ ظلمِهِ وحالَ تبديلِهِ الحُسْنَ بعدَ السُّوءِ؛ أما حالُ ظلمِهِ فظاهِرٌ، وأما حالُ التَّبديل فلأَنَّه يخافُ أنه لم يَقُمْ بالواجب، وأنه لم يقبلْ منه ما أتى به، كما في التِّرمذي عن


(١) (ع وظ): "الأخرى".
(٢) في الأصول: "قائم" بالرفع!.