للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أطلال الشوق إلى الحبيب، وصاح العارفُ بلسان الوَجْدِ إذ لم يبقَ وقت للصَّمْت:

لى عندَكم دَيْنٌ فوا عجبًا ... الدَّيْنُ لي وفؤاديَ الرهْنُ

[غير]:

عدمتُ دوائي بالعراقِ وربما ... وجدتُ بنجد لي طبيبًا مداوِيَا

ويا جبلَ الرَّيَّان إن تعْرَ منهُمُ ... فإنْي سأكسوك الدمُوعَ الجواريَا

ومِنْ حذري لا أسألُ الركْبَ عنهُم ... وأَعْلاق وجدي باقيات كما هيَا

ومنْ يسألِ الركْبَان عن كُلِّ غائبٍ ... فلابُدَّ أن يلقى بشيرًا وناعِيَا (١)

فائدة

من له غوصٌ في دقائق المعاني يتجاوز نظره قالب اللفظ إلى لبِّ المعنى، والواقف مع الألفاظ مقصور النظر على الزينة (٢) اللفظية: فتأمل قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)} [طه: ١١٨ - ١١٩]، كيف قابلَ الجوعَ بالعُرْي، (ظ / ٢٠٨ ب) والظمأ بالضُّحْي، والواقف مع القالب ربما يخيل إليه أن الجوعَ يقابَل بالظمأ والعُرْي بالضُّحْي. والداخل إلى بلد المعنى يرى هذا الكلام في أعلى مراتب الفصاحهَ والجلالة؛ لأن الجوعَ ألَمُ الباطنِ والعريَ ألَمُ الظاهر، فهما متناسبان في المعنى، وكذلك الظمأ مع الضُحْي؛ لأن الظمأ موجبٌ لحرارة الباطن والضّحْي موجبٌ لحرارة الظاهر،


(١) الأبيات للشريف الرضي "ديوانه": (ص/ ٩٦٨).
(٢) (ق): "الرتبة".