للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهم، ولا يتأتَّى منهم، ولا يقدرونَ عليه.

وفي هذا أبْيَنُ جواب وأشفاه لما يوردهُ أعداءُ الرسول عليه من الأسئلة الباطلة, التي قصَّرَ المُتَكَلِّمون غايةَ التقصير في دفعها, وما شَفَوا في جوابها, وإنما اللهُ سبحانه هو الذي شَفَى وكفى في جوابها فلم يُحْوِجْنا إلى متكلِّمٍ ولا إلى أصوليٍّ ولا نَظَّار, فله الحمد والمنة لا نحصي ثناءً عليه.

فصل

واعلم أن الخَلْقَ كُلَّهُ فَلَقٌ, وذلك أن "فَلَقًا" فَعَلٌ بمعنى: مفعول, كَقبَض وسَلَب وقَنَص, بمعنى: مَقْبُوض ومُسْتَلَب ومُقْتَنَص (١) , واللهُ عز وجل فالقُ الإصباح, وفالقُ الحب والنوى, وفالق الأرض عن النبات والجبال عن العيون, والسَّحاب عن المطر, والأرحام عن الأجِنَّة, والظلام عن الإصباح, ويسمى الصبحُ المتصدِّعُ عن الظلمة: فَلَقًا وفَرَقًا, يقال: أبينُ (٢) من فَرَقِ الصُّبح وفَلَقِهِ.

وكما أن في خَلْقه فَلَقًا وفَرَقًا, فكذلك أمره كلُّه فرقانٌ, يفرِّقُ به بين الحقِّ والباطل, فيفرق ظلام الباطل بالحق, كما يفرق ظلامَ الليل بالإصباح, ولهذا سمى كتابه: "الفرقان", ونصرَه: "فرقانًا" لتضمُّنه الفرق بين أوليائه وأعدائه ومنه فَلْقُه البحرَ لموسى وسماه: فلقًا وفرقًا (٣).

فظهرت حكمةُ الاستعاذة بربِّ الفلق في هذه المواضع وظهر


(١) في "المنيرية": "ومسلوب ومقنوص".
(٢) (ظ ود): "هو أبيض".
(٣) من (ق).