للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أبلغ من الإرادة، فإن الهم مَبدأ الإرادة، فكان في ذكر "الباء" إشارة إلى استحقاق العذاب بمبدأ الإرادة (١) وإن لم تكن جازمة، وهذا باب واسع لو تتبعناه لطال الكلام فيه، ويكفي المثالان المذكوران.

فإذا عرفت هذا؛ ففعل الهداية متى عُدِّيَ بـ "إلى" تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة، فأتى بحرف الغاية، ومتى عُدِّيَ بـ "اللام" تضمَّن التخصيص بالشيء المطلوب، فأتى بـ "اللام" الدالة على الاختصاص والتعيين، فإذا قلت: هَدَيْته لكذا، أفهم (٢) معنى ذكرته له وجعلته له وهيأته، ونحو هذا، وإذا تعدَّى بنفسه تضمَّن المعنى الجامع لذلك كله، وهو التعريف والبيان والإلهام. فالقائل إذا قال: "اهدنا الصراط المستقيم"، هو طالب من الله أن يعرِّفه إياه ويبيِّنه له ويُلْهمه إياه ويقدِّره عليه، فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه، فجرَّد الفعلَ من الحرف، وأتى به مجردًا مُعدًّى بنفسه ليتضمن هذه المراتب كلها، ولو عُدِّيَ بحرف تعيَّن معناه وتخصَّص بحسب معنى الحرف، فتأمَّلْه فإنه من دقائق اللغة وأسرارها.

فصل

وأما المسألة الثامنة، وهي: أنه خص أهل الهداية بالنعمة (٣) دون غيرهم، فهذه مسألةٌ اختلفَ الناسُ فيها وطال الحِجَاج من الطرفين، وهى: أنه هل لله على الكافر نعمة أم لا؟ فمن نافٍ يحتج بهذه الآية وبقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ


(١) من قوله: "فإن الهم ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) (ق): "أوهم".
(٣) (ظ ود) ": "سعادة الهداية".