للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجعلون (١) للفعل معنًى مع الحرف ومعنًى مع غيره، فينظرون إلى الحرف وما يستدعي من الأفعال فيُشْرِبون الفعل المتعدي به معناه، وهذه طريقة إمام الصناعة سيبويه، وطريقة حُذَّاق أصحابه؛ يضمِّنون الفعلَ معنى الفعل لا يقيمون الحرفَ مقام الحرف، وهذه قاعدة شريفة جليلة المقدار تستدعي فِطْنةً ولطافةً في الذهن.

وهذا نحو قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] فإنهم يُضَمِّنون يشرب معنى يروي فيعدونه بالباء التي تطلبها، فيكون في ذلك دليلٌ على الفعلين؛ أحدهما بالتصريح به والثاني بالتضمُّن، والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غايةِ الاختصار، وهذا من بديع اللغة ومحاسنها وكمالها. ومنه قوله (٢) في السحاب: "شَرِبن بماء البحر ... "، أي: رَوِيْن به ثم ترفَّعن وصعدن. وهذا أحسن من أن يُقال: يشرب منها، فإنه لا دلالة فيه على الرِّيِّ، وأن يقال: يروى بها؛ لأنه لا يدل: على الشرب بصريحه بل باللزوم، فإذا قال: يشرب بها، دل على الشرب بصريحه، وعلى الرِّي بِحَرف (٣) الباء، فتأمله.

ومن هذا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [الحج: ٢٥] وفعل الإرادة لا يتعدى: بـ "الباء"، ولكن ضمِّن معنى "يَهُم فيه بكذا"،


(١) من قوله: "أحد الحرفين ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وتمامه:
شربن بماء البحر ثم ترفَّعَت ... متى لُجَج خُضر لهنَّ نئيجُ
وهو من شواهد "المغني" رقم (٦٢٨)، وانظر "الخزانة": (٧/ ٩٧)، وتحرفت العبارة في (ظ ود): شربن ماء البحر حتى روين ثم ... ".
(٣) (ظ ود): "بخلاف".