قرأ قارئ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)} [التكوير: ١ - ٣] وفي الحاضرين أبو الوفاء ابن عقيل، فقال له قائل: يا سيِّدي هبْ أنه أَنشر الموتى للبعث والحساب، وزَوَّج النفوسَ بقُرَنائِها للثوابِ والعقابِ، فلمَ هدم الأبنيةَ وسيَّر الجبالَ، ودكَّ الأرضَ وفطرَ السماءَ، ونثرَ الَنجوم وكوّر الشمس؟.
فقال: إنما بنى لهم الدار للسُّكْنى والتَّمَتُّعُ، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتَّفَكُّر، والاستدلال عليه بحسن التأمُّل والتَّذَكُّر، فلما (ظ/١٩٣ ب) انقضت مُدَّةُ السُّكْنى وأجلاهم من الدَّار خرَّبها لانتقال الساكن منها (١).
فأراد أن يعلِّمهم بأن الكونين كانت معمورة بهم، وفي إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وبيان القدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد وزنادقة المنجِّمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، فإذا رأوا أن منار آلهَتَهُم قد انهدم، وأن معبودِيْهم قد انتثرتْ وانفطرت، ومحالّها قد تشققت = ظهرت فضائحُهم، وتبيَّنَ كَذِبُهم، وظهر أن العالم مربوبٌ محدَث مدبَّر، له ربُّ يصرِّفه كيف يشاءُ تكذيبًا لملاحدة الفلاسفة القائلينَ بالقِدَم، فكم لله تعالى من حكمة في هدم هذه الدار، ودلالة على عِظم عِزَّته وقدرته وسلطانه وانفراده بالرُّبوبيَّة، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره وإذعانها لمشيئته، فتبارك اللهُ ربُّ العالمينَ.