للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على زوجتك بعد أن تقولَ لها: أنت طالقٌ ثلاثًا إن أنا طلَّقْتُكِ، فتكون قد خاطبتَها بمثل خطابها لك، فوفَّيْتَ بيمينك ولم تُطَلَّقْ منك، لِمَا وصلْتَ به الطَّلاقَ في الشرط.

فذُكِر ذلك، بن كيل فاستحسنه. وقال: وفيه وجه آخر لم يذكره ابن جرير، وهو أنها قالت له: "أنْتَ طالقٌ ثلاثًا" بفتح التاء، وهو خطابُ تذكيرٍ، فإذا قال لها: "أنتَ" بفتح التاء لم يقعْ به طلاقٌ (١).

قلت: وفيه وجه آخر أحسن من الوجهين، وهو جارٍ على أصول المذهب، وهو تخصيصُ اللفظ العامِّ بالنِّيَّة، كما إذا حلف لا يتغدَّى ونيَّتُه غداءُ يومه قُصِر عليه. وإذا حلف لا يكلِّمُه ونيَّتُهُ تخْصيصُ الكلام بما يكرهُهُ، لم يحنَثْ إذا كلمه بما يحبُّه، ونظائره كثيرةٌ.

وعلى هذا فِبساط (٢) الكلام صريح أو كالصريح في أنه إنما أراد أنها لا تكلمه بشتم أو سب أو دعاء، أو ما كان من هذا الباب (٣) إلا كلّمها بمثله، ولم يُرِدْ أنها إذا قالت (ق/ ٢٧٧ أ) له: اشترِ لي مَقْنَعَةً: أو ثوبًا أن يقول لها. اشتري لي ثوبًا أو مقنعه، وإذا قالت له: لا تشترِ لي كذا فإني لا أحبُّه، أن يقول لها مثلَه. هذا مما يقطعُ أن الحالفَ لم يُرِدْهُ، فإذا لم يخاطبها بمثله لم يحنَثْ. وهكذا يقطعُ بأن هذه الصورة المسؤول عنها لم يُرِدْها، ولا كان بِساط (٤) الكلام يقتضيها ولا خطرت بباله، وإنما أراد ما كان من الكلام الذي هَيَّجَ يمينه وبعثه


(١) في هامش (ق) ما نصه: "أما هذا الوجه الثاني فغير سائغ، أرأيت لو قالت: "أنتِ طالق" بكسر التاء، ماذا يكون الجواب"؟.
(٢) (ظ): "فليناط".
(٣) من (ظ).
(٤) انظر استعمال المؤلف لهذه الكلمة فيما سبق (٣/ ٨٧٢).