للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عجائبَ في الكون، وآياتِ دالَّةً على وحدانِيَّةِ الله وعظمته وربوبيَّتِهِ, وأَنَّ ثَمَّ عالمًا آخَرَ تجري عليه أحكامٌ أُخَرُ تُشْهَدُ آثارُها, وأسبابُها غُيَّبٌ عن الأبصار, فتبارك الله ربُّ العالمين وأحسنُ الخالقين الذي أتقنَ ما صنع, وأحسنَ كلَّ شيء خَلَقَهُ!! ولا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح, بل هو أعظمُ وأوسعُ وعجائبه أبهرُ وآياتُه أعجبُ!!.

وتأمل هذا الهيكلَ الإنسانيَّ إذا فارقَتْهُ الرُّوحُ كيف يصيرُ بمنزلة الخَشَبة أو القطعة من اللحم, فأين ذهبت تلك العلوم (١) والمعارف والعقل, وتلك الصنائعُ الغريبة وتلك الأفعالُ العجيبة وتلك الأفكار والتدبيرات؟ كيف ذهبت كلُّها مع الرُّوح وبقي الهيكل سواء هو والتُّراب؟ وهل يخاطبُكَ من الإنسان أو يراك أو يحبك, أو يواليك أو يعاديك, ويخِفُّ عليك ويَثْقُلُ ويؤنِسُكَ ويوحِشُكَ, إلا ذلك الأمرُ الذي وراء الهيكل المشاهَدِ بالبَصَر.

فربَّ رجلٍ عظيم الهَيُولَي (٢) كبيرِ الجثة, خفيفٌ على قلبك حُلْوٌ عندك, وآخرُ لطيفُ الخِلْقة صغير الجثة, أثقلُ على قلبك من جَبَل, وما ذاك إلا للطافة رُوح ذاك وخِفَّتها وحلاوتها, وكثافة هذا وغلظ روحه ومرارتها, وبالجملة فالعُلَقُ والوُصَلُ التي بين الأشخاص والمنافرات والبُعد إنما هي للأرواح أصلًا, والأشباح تبعًا.

فصل

والعائنُ والحاسد يشتركان في شيء, ويفترقان في شيء, فيشترِكانِ


(١) (ق) زيادة: "والأرواح".
(٢) الهيوْلَى، لفظ يوناني، بمعنى الأصل والمادة، انظر: "التوقيف على مهمات التعاريف": (ص/ ٧٤٥).