للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أن كلَّ واحد منهما تتكيَّفُ نفسُه وتتوجَّهُ نحو من يريدُ أذاه، فالعائنُ تتكيَّفُ (١) نفسُه عند مقابلة المَعِينِ ومُعَايَنَتِهِ. والحاسد يحصلُ له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضا.

ويفترقان في أن العائن قد يُصيبُ من لا يحسدهُ من جماد أو حيوان أو زرع أو مال، وإن كان لا يكادُ يَنْفَكُّ من حسد صاحبه. وربما أصابتْ عينُهُ نفسَه، فإن رؤيته للشيء رؤيةَ تعجُّبٍ وتحديقٍ، مع تكيُّف نفسِه بتلك الكيفية تؤثرُ في المَعِين (٢).

وقد قال غير واحد من المفسرين (٣) في قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: ٥١] إنه الإصابةُ بالعَيْن، فأرادوا أن يُصِيبوا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنظر إليه قوم من العائنين وقالوا: ما رأينا مِثْلَهُ ولا مِثْلَ حُجَّته (٤). وكان طائفةٌ منهم تمرُّ به الناقةُ والبقرةُ السمينةُ فَيَعينُها، ثم يقول لخادمه: خُذِ المِكْتَلَ والدِّرهم وَآتِنا بشيء من لحمها، فما تبرحُ حتى تقعَ فتُنْحَرَ.

وقال الكلبيُّ (٥): كان رجل من العرب يمكثُ يَوْمين أو ثلاثة لا يأكلُ، ثم يرفعُ جانب خِبَائِهِ فتمرُّ به الإبلُ فيقول: لم أرَ كاليوم إبلاً ولا غَنَمًا أحسنَ من هذه، فما تذهبُ إلا قليلًا حتى يسقطَ منها طائفة، فسأل الكفارُ هذا الرجلَ أن يُصيبَ رسول الله بالعين ويفعل به كفعله في غيره، فعصم الله تعالى رسولَه وحفظَه، وأنزل


(١) هذه وما قبلها في (ق): «تتكشّف».
(٢) وانظر: «زاد المعاد»: (٤/ ١٦٤ - فما بعدها).
(٣) انظر «تفسير الطبري»: (١٢/ ٢٠٣ - ٢٠٤) عن ابن عباس وغيره.
(٤) (ق): «حُججه» وكذا في «تفسير البغوي».
(٥) نقله عنه البغوي في «تفسيره»: (٤/ ٣٨٤).