للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: ٥١] هذا قول طائفة.

وقالت طائفة أخرى -منهم ابن قتيبة (١) -: ليس المرادُ أنهم يُصِيبونك بالعين كما يُصيبُ العَائِنُ بعينه ما يعجِبُهُ, وإنما أرادَ أنهم ينظرونَ إليك إذا قرأتَ القرآنَ الكريم نظرًا شديدًا بالعداوة والبغضاء يكادُ يسقِطُكَ.

قال الزَّجَّاجُ (٢): يعني من شِدَّة العداوة يكادون بنظرهم نظرَ البُغَضَاء أن يصرعوك, وهذا مستعملٌ في الكلام, يقول القائل: نظر إليَّ نظرةً قد كان يصرعُني منها.

قال: ويدلُّ على صحَّة هذا المعنى أنه قَرَن هذا النَّظَرَ بسماع القرآن الكريم, وهم كانوا يكرهون ذلك أشدَّ الكراهة, فيُحِدُّون إليه النَّظَرَ بالبغضاء.

قلت: النظرُ الذي يُؤَثِّرُ في المنظور قد يكون سبَبُهُ شِدَّةَ العداوة والحسد, فيؤثر نظره في كما تؤثر نفسه بالحسد, ويقوى تأثيرُ النفس عند المقابلة, فإن العدوَّ إذا غاب عن عدوه قد يشغل نفسُه عنه, فإذا عاينَه قُبلًا اجتمعت الهِمَّةُ عليه, وتوجَّهتِ النفسُ بكُلِّيَّتِها إليه, فيتأثَّرُ بنظره, حتى إن من النَّاسِ من يَسْقُطُ, ومنهم من يُحَمُّ, ومنهم من يُحْمَلُ إلى بيته, وقد شاهدَ الناسُ من ذلك كثيرًا.

وقد يكون سبَبَهُ الإعجابُ, وهو الذي يسمُّونه بإصابة العين, وهو أن الناظرَ يرى الشيءَ رؤيةَ إعجابٍ به أو استعظامٍ, فتتكيَّفُ


(١) في "تأويل مشكل القرآن": (ص/ ١٧٠)، والمؤلف ينقل من "تفسير البغوي": (٤/ ٣٨٤).
(٢) نقله في "اللسان": (١٠/ ١٤٥).