للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكانت مفردةً، وكان يُقَالُ: "أو مُخْرِجيْ هُم"؟ بالتخفيف، كما تقول: "أَضَاربِي إِخْوَتُكَ"؟ ولو جعلتَه مبتدأً وخَبرًا لقلت: "أَضَارِبيَّ" بالتشديد، والله أعلم.

فإن قلت: "ما هُم بمُخْرِجيَّ" تعيَّن التشديد ليس إلا؛ لأن الفاعل لا يتقدَّمُ، فلو خفَّفْتَ لكانت المسألة في باب الفعل والفاعل. والفاعلُ لا يتقدَّمُ عاملَه، كان أخَّرْتَ الضميرَ جاز لك الوجهانِ كما تقدم.

فصل (١)

قولهم: "ظروفُ الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث" (٢) ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل يُعْرَف من العلة في منع ذلك، والعلَّةُ: أن الزمان لما كان عبارة عن أوقات الحوادث، وكانوا محتاجينَ إلى تقييد حوادثهم وتأريخها بأزمنة تقارنُها معلومة عند المتكلِّم والمخاطب، كما يقدرونها بالأماكن التي تقعُ فيها، جعل (٣) اللهُ سبحانه وتعالى حَرَكات الشَّمس والقمر، وما يحدثُ بسببهما من الليل والنَّهار والشهور والأعوام، معيارًا يَعْلَم به العِبَادُ مقاديرَ حوادثِ أفعالها وتأريخها ومعيارها، لشدَّة حاجتهم إلى ذلك في الآجال، كالعِدَد والإجارات والسَّلَم والديون المؤجَّلة، ومعرفة مواقيت الحجِّ والصِّيام وغيرها، فصارت حركةُ الشمس والقمر تأريخًا وتقييدًا ومعيارًا للأفعال والحياة والموت والمولد، وغير ذلك.

فالزمانُ إذًا عبارةٌ عن مقارنة حادثٍ لحادث، مقارنة الحادث


(١) ليست في (ظ)، و (ق): "فائدة". وانظر: "نتائج الفكر": (ص/٤٢٦ - ٤٢٨).
(٢) انظر "الجمل": (ص/ ٥٠)، و"اللمع": (١/ ٢٨)، و"الإنصاف": (١/ ٦١).
(٣) (ظ وع): "جعله".