للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتَّبيين، فالإتيانُ بها في مثل هذه الآية أوْلى وأقوى، ولهذا لم يُعَدْ في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، وفي قوله: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} [العلق: ١٥ - ١٦]، وفي قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: ٦ - ٧]، ولا في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: ٥٢ - ٥٣] الآية، ولا في قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [الفرقان: ٦٨ - ٦٩]، ولا في قوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢)} [النبأ: ٣١ - ٣٢] فنظائره أكثر من أن تُذْكَرَ.

وأما استدلالُهم بأن المبدَل منه في نيَّة الطرح، والمقصودُ مباشرةُ العاملِ للمبدَل (١)؛ فغيرُ صحيح. فإنَّ الأوَّلَ مقصودٌ أيضًا ولكن ذُكِرَ توطئةً للمبدلِ منه، ولم يُقْصَدْ طرحُهُ، ويدلُّ عليه قولُ الشاعر (٢):

إنَّ السيوفَ غُدُوَّها ورَوَاحَها ... تَرَكَتْ هَوَازِنَ مثلَ قَرْنِ الأعْضَبِ

فجعلَ الخبرَ للسيوفِ، وألغى البَدَلَ وجعلَه كالمطَّرَحِ، إذ لو لم يُلْغِهِ لقال: تركا، وإنما يكون الأوَّلُ في نيَّةِ الطَّرْح في نوعينِ من البَدَل، وهما: بَدَلُ البَدَاءِ والغلطِ، والأكثرُ فيهما أن يقعا بعد "بل"، والله أعلمُ.

فائدة

البدلُ والمبدَلُ إما أن يَتَّحِدا في المفهوم، أَوْ لا، فإنِ اتَّحدا فهو المسمَّى بَدَلَ الكُّلِّ من الكل، وأحسنُ من هذه التَّسْمِيَةِ أن يُقَالَ: بدلُ


(١) (ع): "للبدل".
(٢) هو: الأخطل، "ديوانه": (ص/٣٦).