للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيبويه، فإن الذي دلَّ عليه كلامُهُ أنَّ العاملَ فيهما هو الأوَّلُ، ويتعيَّنُ هذا، لأنَّ من المبدلات ما يُبدَلُ من مجرورٍ ومجزومٍ ولا يُعَادُ عامِلُهُ (١)، فلو كان العاملُ مقدَّرًا لزم اطِّرادُ إضمارِ الجارِّ والجازمِ في الإبدالِ من المجرورِ والمجزومِ (٢) وهو ممتنعٌ.

والذي أوجبَ لهم ما ادَّعَوْهُ أمرانِ:

أحدهما: أنهم رَأَوُا البَدَلَ كثيرًا ما يُعادُ معه العاملُ، كقوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} [الأعراف: ٧٥] ولم يَرَوْهُ معَادًا مع غيرِه من التَّوابِع إلا نادرًا.

الثاني: أن البدلَ هو المقصودُ بالذكر، والأوَّلُ في نِيَّةِ الإطِّراحِ، فلما كان هو المقصودَ كانت مباشرتُه بالعامل أولى بخلافِ بقيَّةِ التَّوابعِ، فإنَّ المقصودَ في النعتِ وعطفِ البيان والتأكيد هو الأوَّلُ، (ظ/ ٢٦٩ أ) والثاني توضيحٌ وتبيينٌ.

وأما عطفُ النَّسَقِ وإن قُصِدَ فيه التابعُ والمتبوعُ فالمعطوفُ في ثانٍ تابعٌ لمقصودٍ فاكْتُفي فيه بالعامل (ق/٣٩٢ أ) الأوَّلِ، ولا حُجَّةَ في شيءٍ من ذلك، أما الأوَّلُ فمجيء البَدَلِ خاليًا من تَكْرار العامل أكثر من اقترانِهِ بإعادةِ العامل، وإنما أعيدت اللامُ في الآيةِ لمزيدِ البيانِ والاختصاص، وأن القولَ من المستكبِرِينَ إنما كان للمؤمنينَ المُستضعَفينَ خاصَّةً.

ونظيرُ إعادة اللام هاهنا إعادتُها في قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: ١١٤]، وإذا كانوا يزيدونَ اللام في قولهم: "لا أبا لَكَ" مع شدَّة ارتباطِ المضافِ بالمضاف إليه لقصدِ الاختصاصِ


(١) (ق): "عليه".
(٢) من قوله: "ولا يعاد عامله. . ." إلى هنا ساقط من (ظ).