للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعلوم أن العثور مرةَ ثانيةَ إنما يكون بعد النجاة من الأولى، فوَألَت شرط في الشرط الثاني، وعلى هذا فإذا ذكرت الشرطينِ، وأتيت بالجواب كان جوابًا للأول خاصة، والثاني جرى معه مجرى الفَضْلة والتَّتِمة كَالحال وغيرها من الفَضَلات قاله ابن مالك (١).

وأحسنُ من هذا أن يقال: ليس الكلامُ شرطين يستدعيان جوابَيْنِ؛ بل هو شرطٌ واحد وتعليق واحد، اعْتُبر في شرطه قيدٌ خاصٌّ جعل شرطًا فيه، وصار الجواب للشرط المقيد، فهو جواب لهما معًا بهذا الاعتبارِ، وإيضاحه: أنك إذا قلت: "إن كَلَّمتِ زيْدًا إن رَأَيْتِهِ فأنتِ طَالِق" جعلت الطلاق جزاء على كلامٍ مقيد بالرُّؤية لا على كلام مطلق، فكأنه قال: "إن كلمتِهِ ناظِرَةً إليه فأنتِ طالِقٌ"، وهذا يبينُ لك حرف المسألة ويزيلُ عنك إشكالَها جملةً، وبالله التوفيق.

فائدة (٢)

قولهم: الأعمُ لا يستلزمُ الأخصَّ عينًا، وإنما يستلزم مطلقَ الأخصِّ ضَرُورَةَ وقوعه في الوجود، ولابدَّ في هذا من تفصيل: وهو أن الحقيقةَ العامة تارةَ تقعُ في رْتب متساوية، فهذه تستلزمُ الأخص عينًا ولابدَّ، كما إذا قال: "افْعَلْ كَذا"، فإنه أعمُّ مِنْ مَرَّة ومرات، وهو يستلزمُ المرَّة الواحدة عينًا، و"أَنْفِق مالًا" يستلزم أقَل القليل عينًا، وتارة يقع في رتبَ غير متساوية كالحيوان والعدد، فإنهما لا يستلزمان أحدَ أنواعهما عينًا، والله أعلم.


(١) قاله في شرح الخلاصة، كما صرح بذلك القرافي، ونقله عنه في "الفروق": (١/ ٨٣) وعنه ينقل المؤلف.
(٢) "الفروق": (٢/ ١٣ - ١٥)، وأطال القرافي في تقرير ذلك وضرب الأمثلة، وانظر تعقب سراج الدين ابن الشاط عليه في ذلك في حاشيته "إدرار الشروق ... ".