للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فائدة بديعة (١)

"العينُ" يُرَاد بها حقيقة الشيء المدرَكة بالعيان، أو ما يقوم مقام العيان، وليست اللفظة على أصول موضوعها؛ لأن أصلها أن تكون مصدرًا وصفةً لمن قامت به، ثم عُبِّر عن حقيقة الشيء بالعين، كما عُبِّر عن الوحش بالصيد، وإنما الصيدُ في أصل موضوعه مصدرٌ من "صاد يصيد"، ومن هاهنا لم يرد في الشريعة عبارة عن نفس الباري -سبحانه وتعالى-؛ لأن نفسه -سبحانه- غير مُدْرَكة بالعيان في حقنا اليوم، وأما عين القِبلة وعين الذهب وعين الميزان، فراجعةٌ إلى هذا المعنى. وأما العين [الجارية] (٢) فمشبَّهة بعين الإنسان لموافقتها لها في كثير من صفاتها وأما عين الإنسان فمُسَماة بما أصله أن يكون صفة ومصدرًا؛ لأن العين في أصل الوضع مصدر، كالدَّيْن والزَّيْن والبَيْن والأَيْن وما جاء على بنائه (٣).

ألا تراهم يقولون: "رجل عَيُون وعاين" ويقولون: "عِنْته": أصبته بالعين، و"عاينته": رأيته بالعين، وفرقوا بين المعنيين، وكأن عاينته من الرؤية أولى من عِنْته؛ لأنه بمنزلة المفاعلة والمقابلة، فقد تقابلتما وتعاينتما، بخلاف "عِنْته" فإنك تنفرد بإصابته العين من حيث لا يشعر.

ومما يدلك على أنها مصدر في الأصل: قوله تعالى: {عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: ٧] كما قال: {عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر: ٥]


(١) "نتائج الفكر": (ص/ ٢٩١).
(٢) في النسخ: "الجارحة"، والتصويب من "النتائج".
(٣) "وما جاء على بنائه" ليست في (ظ ود).