للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظيرُ هذا أن يقولَ: "إن وَهَبِت لي شَيئًا إنْ أردْتُ قَبُولَهُ أخذْتهُ"، فإرادةُ القبول متأخِّرة عن الهِبة، فلا يكونُ شرطًا فيها، (ق/ ٣٠٠ ب) قال الأوَّلون: يجوز أن تكونَ إرادةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - متَقَدِّمة، فلما فهمت المرأة منه ذلك وَهَبَتْ نفسَها له، فيكون كالآية الأولى، وهذا غيرُ صحيح، والقصَّة تأباه، فإنَّ المرأةَ قامت، وقالت: يا رسولَ الله إنى وَهَبْتُ لك نفسِي، فصَعَّدَ فيها النَّظَرَ وصَوَّبَهُ، ثم لم يَتزوَّجْها وزوَّجَها غيْرَه (١).

الموضع الثالث: قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)} [الواقعة: ٨٦ - ٨٧]، والمعنى: فلولا ترجِعُونها، أي: تَردّون الرُّوح، إذا بلغتِ الحُلْقُومَ، إنْ كنتمْ غيْرَ مربوبين مملوكين، إن كنتم صادقين، وهنا الثانى شرط للأول، والمعنى: إنْ كنتُم صادقينَ في قولكم فهلاّ تَرُدُّونها إن كنتم غيرَ مدِينينَ، ويدلّ عليه قول الشاعر أنشده أبو عبد الله بن مالك (٢):

إنْ تَستَغيثوا بنا إنْ تُذْعَروا تَجِدُوا ... منَّا معاقلَ عِزٍّ زانَها الكرَمُ

ومعلوم أن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر، فالذعر شرطٌ فيها، ومن هذا قول الدُّريدي (٣):

فإنْ عَثَرْتُ بَعْدَها، إنْ وَألَتْ ... نَفْسِيَ مِنْ هاتا فقُولا: لا لَعَا


(١) متفق عليه، البخارى رقم (٢٣١٠)، ومسلم رقم (١٤٢٥) من حديث: سهل بن سعد -رضى الله عنهما-.
(٢) صاحب الألفية، أنشده في كتابه "التسهيل - مع شرحه المساعد": (٣/ ١٧٣) وكذا ابن هشام فى "المغني": رقم (٨٤٨)، وهو في "الخزانة": (١١/ ٣٥٨).
(٣) هو: أبو بكر ابن دريد صاحب "الجمهرة" وغيرها، وهذا البيت ضمن "المقصورة": (ص/ ٢٠ - مع شرحها للتبريزي).