للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: "إن لَبست فأنتِ طالِقٌ" ثم علق هذه الجملة المعلقة بالخروج، فكأنه قال: شرطُ نفوذ هذا التعليق الخروج، فعلى هذا لا يحنَثُ حتى يوجدَ الخروجُ بعد اللبْس، وممن نصَّ عليها ابن شاس في "الجواهر" (١).

وقال أبو إسحاق في "المهذب" (٢) وقد صور المسألة: "إن كَلَّمْتِ زيْدًا، إن دَخَلْتِ الدَّارَ فأنْتِ طالِقٌ"؛ إنْ دَخَلَتِ الدارَ ثمَ كلمَتْ زيدًا طلقَتْ، وإن كلمَتْ زيدًا (ظ/ ٢١٥ أ) أولًا، ثم دخلتِ الدارَ لم تطلقْ؛ لأنه جعل دخولَ الدار شرطًا في كلام زيد، فوجبَ تقديمه عليه، وهذا (٣) عكس قول المالكية، ورجَّحَ أبو المعالى قولَ المالكية في "نهايته" (٤).

وقد وقع هذا التعليق في كتاب الله عز وجل في مواضع:

أحدها: قوله حكايةً عن نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: ٣٤]، وهذا ظاهر في أن الشَّرْطَ الثانى شرط في الشرط الأول، والمعنى: إن أراد الله أن يُغْوِيَكمْ لم يَنْفَعْكمْ نصحي إن أردته، وهذا يشهد لصحة ما قال الشيخ أبو إسحاق.

الموضع الثاني: قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: ٥٠]، قالوا: فهذه الآية ظاهرة في قول المالكية، لأن إرادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأخرة عن هِبَتِهَا، فإنها تجري مجرى القبول في هذا العقد، والإيجاب هو هبتها.


(١) (٢/ ٢٠٧).
(٢) (١٠/ ٢١٥ - مع شرحه للعمراني).
(٣) (ع): "هكذا".
(٤) هو كتابه الكبير: "نهاية المَطْلب في دراية المَذْهب"، لم يطبع بعد.