للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محبتي، حتى إذا جَنَّه الليلُ نام عني" فيصيح المشتاقُ:

سلوا الليلَ عني مُذْ تنَاءَتْ دِيَارُكُمْ ... هل اكْتَحَلَتْ بالغُمْض لي فيه أجفانُ

ثم تمر بالمتهجدين سيارة النجومِ، فيبعثون مع كل فَيْج (١) رسالة فتسلم أخبارَه الجوابَ (٢) إلى ركب السحر، فتهب لمجيئها رياحُ الأسحار، فيقول المنتظر: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.

* سبحان من أنعم على الموجودات بإيجادها من غير طَلَب، فلما وُجِدَتْ بَسَطَتْ أكفَّ السُّؤالِ لطلب تكميلها، فالأجنةُ في بطون الأمهات تطلب تكميل الخلق، والبذر تحت التراب يطلب قوتَهُ من الريِّ، ومخُّ الثمار ينتظر من فضله كمالَ نُضْجهِ، ومراكب البحار ترجو تحريكَها بالرياح، وأصحابُ البضائع ينتَظرون وفودَ الأرباحِ عليهم، وطلابُ العلم يسألون فتح متعلقِ الفهم، وأهل المجاهدة يرومون المعاونةَ على الطيع (٣)، والمظلوم يترقَّبُ طلوعَ فجر النصر، والمريض يتململُ بين يديه طلبًا للطْفِهِ، والمكروبُ ينتظرُ كشفَ ما به، والخائفُ يترقب بريدَ الأمن، والأبدان المتمزِّقة في اللحود تنتظرُ جمع الشَّمل بعد الشَّتَات، وعرائس الجنان يسألنَ سلامةَ بعولتهن وتعجيلَ اللقاء.

فإذا قام الخلق من أطباق التراب بإنعاش البعثِ نكَّسَ صاحبُ الزلَلِ رأسَ الندم طلبًا للعفو، ومدَّ العابدُ يدَ التقاضي بالمسلَم فيه عند حلول الأجل، وحَدَّقَ الزاهد إلى جزاء الصبر، وأشرفَ المحِبُّ على


(١) الفيج: الجماعة من الناس. و (ق): "مع فج".
(٢) (ق): "فتسَلم أحساره".
(٣) غير محررة في (ع).