للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأن دَيْنَ المخلوقِ إذا كان يقبل الوفاءَ مع شحَهِ وضيقه، فدَيْنُ الواسع الكريم تعالى أحقُّ بأن يقبلَ الوفاء، ففي هذا أن الحكمَ إذا ثَبَتَ في محلُّ لأمرٍ، وثمَّ محلّ آخَر أولى بذلك الحكمِ، فهو أولى بثبُوته فيِه. ومقصودُ الشارِع في ذلك التنبيهُ على المعاني والأوصافِ المقتضيَةِ لشَرْعِ الحكْم والعِلل المؤثِّرة، وإلا فما الفائدةُ في ذكر ذلك؟ والحكم ثابتٌ بمجرَّد قوله؟!

ومن ذلك: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَلحقَ الولدَ في قصة وليدة زَمْعَةَ بعَبْدْ بن زمْعَةَ عملًا بالفِراش القائم، وأَمَر سَوْدَةَ أن تحتجبَ منه (١)، عملاً بالشَبَهِ المعارِض له، فرتَّبَ على الوصْفينِ حكميهما، وجعله أخاً من وجهٍ دونَ وجهٍ. وهذا من ألطفِ مسالكِ الفقهِ، ولا يهتدي إليه إلَّا خواصُّ أهلِ العلمِ والفهم عن الله ورسوله.

وتأمل قولَه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، وقد علَّمهم أن يقولوا: "السلامُ علينا وعلى عباد الله الصّالحين"، ثمَّ قال: "فَإذا قُلْتُمْ ذلِكَ أصابَتْ كُلَّ عبدٍ صالح للهِ في السماءِ والأرض" (٢)، كيف قرَّرَ بهذا عمومَ اسم الجمعِ المضاف، وأغنانا - صلى الله عليه وسلم - عن طرق الأصوليين وتَعَسُّفها.

وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئلَ عن (٣) زكاة الحُمر، فقال: "لم يَنزلْ عَلَيَّ فيها إلَّا هذهِ الآية الجامِعَة الفاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} " (٤).


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٠٥٣)، ومسلم رقم (١٤٥٧) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٨٣١)، ومسلم رقم (٤٠٢) من حديث ابن مسعود -رضى الله عنه -.
(٣) (ق): "قوله عن زكاة ... ".
(٤) أخرجه البخاري رقم (٢٣٧١)، ومسلم رقم (٩٨٧). من حديث أبي هريرة
- رضي الله عنه -.
والفاذَّة: أي المنفردة في معناها.