للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الجسُّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكنْ عارضَ هذا المقتضي مانعٌ (١) مَنَعَ من تأثيرِهِ وهو شهوده بدرًا، وقد سَبقَ من الله مغفرتهُ لمن شَهدَها.

وعلى هذا؛ فالحديث حجَّةٌ لمن رأى قتلَ الجاسوسِ (٢)؛ لأنه ليس ممَّنْ شَهِدَ بدرًا، وإنما امتنعَ قتلُ حاطب لشهودِهِ بدراً.

ومن ذلك: قولُه - صلى الله عليه وسلم - لعُمَرَ وقد سأله عن القبْلة للصّائم، (ق/ ٣٦١ ب) فقال: "أرأيْت لو تَمضمَضتَ" (٣) ... الحديث، فتحتَ هذا إلغاءُ الأوصافِ التي لا تأثيرَ لها في الأحكام، وتحتهُ تشبيهُ الشيءِ بنظيرِهِ وإلحاقُهُ به، وكما أنَّ الممنوعَ منه الصائمُ إنما هو الشُّربُ لا مُقَدمَتهُ، وهو وضع الماء في الفمِ، فكذلك الذي مُنِعَ، إنما هو الجِماعُ لا مُقَدِّمَتُهَ وهي القُبْلَة، فتضمَّنَ الحديثُ قاعدتينِ عظيمتينِ كما ترى.

(ظ/٢٥١ ب) ومن ذلك: قولُه - صلى الله عليه وسلم - وقد سُئلَ عن الحج عن الميت؟ فقال للسائل: "أرَأيْتَ لَوْ كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أكنْتَ قاضِية؟ " قال: نعم. قال: "فَدَيْنُ اللهِ أَحَقّ أنْ يُقْضَى" (٤) فتضمَّنَ هذا الحديثُ بيانَ قياس الأوْلى،


(١) (ق وظ): "مانعاً"!.
(٢) في هامش (ق) تعليق أظنه بخط ابن حميد النجدي، قال: "لا حجة فيه؛ لأن التجسُّس على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس كالتجسس على غيره" أهـ. وفي هذا التعليق نظر من جهة أن الجاسوس لا يُقتل باعتبار جسه على شخص بعينه، ولكن باعتبار جسِّه على المسلمين لصالح الكفار.
(٣) أخرجه أحمد: (١/ ٢٨٦ رقم ١٣٨)، وأبو داود رقم (٢٣٨٥)، وابن خزيمة رقم (١٩٩٩)، وابن حبان "الإحسان": (٨/ ٣١٤). وغيرهم، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
(٤) أخرجه البخاري رقم (١٩٥٣)، ومسلم رقم (١١٤٨) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
ووقع في (ق): "أحق بالقضاء" وهو في بعض روايات الحديث.