العلمَ في قولهم:{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} فقال: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)} [البقرة: ١٣]، فنفى علمَهم بسفَهِهم، وشعورَهم بفسادهم، وهذا أبلغُ ما يكون من الذَّمِّ والتَّجهيل: أن يكون الرجل مفسداً ولا شعورَ له بفساده ألبتَّة، مع أن أَثَرَ فساد مشهورٌ في الخارج مَرئيٌّ لعباد الله، وهو لا يشعرُ به، وهذا يدلُّ على استحكامِ الفسادِ في مدارِكِه وطرق علمِهِ.
وكذلك كونه سفيهًا، والسَّفَهُ غاية الجهلِ، (ظ/٢٥٢ أ) وهو مركَّبٌ من عَدَم العلم بما يُصلحُ معاشَة ومعادَهُ، وإرادته بخلافه، فإذا كان بهذِه المنزلةِ، وهو لا يعلم بحالِهِ كان (ق/٣٦٢ ب) من أَشْقى النَّوْعِ الإنسانيِّ، فنَفْيُ العلمِ عنه بالسَّفَهِ الذي هو فيه، متضمِّن لإثباتِ جهلِهِ، ونفيُ الشعورِ عنه بالفسادِ الواقع منه، متضمنٌ لفساد آلاتِ إدراكِهِ، فتضمَّنتِ الآيتانِ الإسجالَ عليهم بالجهلِ، وفسادَ آلاتِ الإدراكِ، بحيثُ يعتقدونَ الفسادَ صلاحاً، والشَّرَّ خيرًا.
وكذلك المناظرة الثانيةُ معهم -أيضًا- فإنَّ المؤمنينَ قالوا لهم:
{آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ}، فأجابهم المنافقونَ بقولهم:{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}. وتقريرُ المناظرة من الجانبينَ: أن المؤمنين دَعَوْهم إلى الإيمانِ الصادرِ من العقلاءِ بالله ورسوله، وأن العاقلَ يتعيَّنُ عليه الدخولُ فيما دخل فيه العقلاءُ الناصحونَ لأنفسِهم، ولا سيَّما إذا قامتْ أدِلَّتُهُ ووضحَتْ شواهدُهُ، فأجابهم المنافقون بما مضمونه: إنَّا إنما يجِبُ علينا موافَقَةُ العقلاءِ، وأما السفهاءُ الذين لا عقلَ لهم يُمَيِّزونَ به بين النّافعِ والضّارِّ؛ فلا يجبُ علينا موافقتُهم، فردَّ اللهُ تعالى عليهم، وحَكم للمؤمنينَ، وأسْجلَ على المنافقينَ بأربعةِ أنواع: