للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالّذِي لا إلهَ إلَاّ هُوَ. فقال عيسى: آمَنْتُ باللهِ وكَذَّبْتُ بَصَرِي" (١).

قيل: هو استفهام من المسيح، لا أنه إخبار، والمعنى: "أسرقت" فلما حلف له صدقه، ويردُّ هذا قولُه: "وكذبتُ بَصَري وقيل: لما رآه المسيح أخذَ المالَ بصورة السارق فقال: سرقت؟ فقال: كلا، أي: ليس بسرقة، إما لأنه مالُه أو له فيه حق، أو لأنه أخده ليقلبَهُ ويعيدَهُ، والمسيحُ - صلى الله عليه وسلم - أحال على ظاهر ما رأى، فلما حلف له قال: "آمَنْتُ بالله وكَذَّبْتُ نفسي في ظني أنها سرقةٌ" لا أنه كَذَّبَ نفسَه في أخده المال عيانًا، فالتكذيبُ واقعٌ على الظَّنِّ لا على العِيان، وهكذا الروايةُ "وكَذَّبْتُ نَفْسِي" (٢) ولا تنافِيَ بينها وبين رواية: "وكَذَّبْتُ بَصري"، لأن البصرَ ظنَّ أن ذلك الأَخْذ سرقةٌ، فأنا كذبته في ظنِّ أنه رأى سرقة، ولعله إنما رأى أخذًا ليس بسرقة.

وفي الحديث معنى ثالث -ولعله أَلْيَقُ به- وهو: أن المسيحَ - صلى الله عليه وسلم - لعظمة وقارِ الله في قلبه وجلالِه ظنَّ أن هذا الحالف بوحدانية الله صادقًا، فحمله إيمانُهُ بالله على تصديقه، وجوَّز أن يكون بصرُة قد كذبه، وأراه ما لم يَرَ، فقال: "آمنْتُ باللهِ وكذبْتُ بَصَري".

ولا ريبَ أن البَصَرَ يعرِضُ له الغلطُ، ورؤية بعض الأشياء بخلاف (٣) ما هي عليه، ويُخَيِّلُ ما لا وجود له في الخارج، فإذا حكم عليه العقلُ تبين غلطُه. والمسيحُ - صلى الله عليه وسلم - حكَّم إيمانه على بصره فكذب بصره (٤)


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٤٤٤)، ومسلم رقم (٢٣٦٨) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) من قوله: "في ظني أنها ... " إلى هنا ساقط من (ظ).
(٣) (ق): "على غير".
(٤) "فكذب بصره" ليست في (ع).