للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكلمةُ مُؤنَّثةٌ، فاجتمعَ فيها التأنيثُ والعَلَمِيَّةُ فمُنِعت الصرف. وعلى هذا (ق/ ٣٩١ أ)، ففي "وراءِ" الثانية الأوجهُ الأربعةُ التي تقدَّمَتْ في المضمومةِ، ويدُلُّ (ظ/٢٦٨ ب) على صحَّة ما ذكرناه ما وقع في بعض روايات الحديثِ: "مِنْ وَرَاءَ مِنْ وَرَاء" (١) بِتَكرارِ "مِنْ" في الموضِعَيْنِ وفتح "وراء"، وهذا ينفي التركيبَ، فيتعيَّنُ به الإعرابُ ومنع الصرف، والدليل على تأنيث الكلمة: أن الجوهريَّ نصَّ في كتابه على تأنيثها فقال: "وهي مؤنثةٌ لأنهم قالوا في تصغيرِها: "وُرَيْئَةٌ" ".

قلت: ولكن ليس تأنيثُها بالهمزة الممدودة، بل تأنيثها معنويٌّ لا علامةَ له؛ لأن (٢) ما تأنيثُه بالهمزة إذا صُغِّرَ لم تقعِ الهمزةُ في حشوِهِ كـ: "حمراءَ"، فلما قالوا: "وُرَيْئَةٌ" علم أن همزتها ليستْ للتأنيثِ، بل تأنيثُها كتأنيثِ "قوس" و"أُذن"، ونحوهما. وقد حُكِيَتْ في هاتينِ الكلمتينِ أربعةُ أوجهٍ أُخَرَ:

أحدها: "من وراءِ وراءِ" بكسر الهمزة فيهما، وهي كسرةُ بناء.

الثانية: "من وراءَ وراءُ" بفتح الأولى وضم الثانية، ووجهه إضافة الأولى إلى الثانية، فأُعْرِبت الأولى وبُنِيتِ الثانيةُ على الضَّمِّ، قالوا: فتكون الأولى ظرفًا منصوبًا، والثانية غايةً مقطوعةً.

قلت: وتصحيحُ هذا يستلزمُ أن يكونَ "وراءُ" صفةً لمحذوفٍ ليصِحَّ تقديرُ الظرفية فيه (٣)، فيكون تقديرُه: من مكان وراء، وإلا فمع


(١) لم أعثر على من أخرجها؛ لكن قال القرطبي في "تفسيره": (١١/ ١٩٩): "ووقع في بعض نسخ مسلم: "من وراء من وراء" بإعادة "من"" أهـ.
(٢) (ع): "لكن".
(٣) من (ق).