للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مباشرة "من" لا ينتصبُ ظرفًا.

الثالثة: "من وراءَ وراءَ" بالنصب فيهما على الظَّرفيَّةِ، ووجهه ما أشرنا إليه من تقدير موصوف محذوف أي: "منْ مكانٍ وراءَ وراءَ".

الرابعة: "من وَرَاءِ وراءَ" بكسر الأولى وفتح الثانية، فتجرُّ الأولى بإضافَتِها، وتعرب الثانية إعرابَ غيرِ المنصرف، كقولك: "من أحمرِ (١) عثمانَ"، وموضوع هذه الكلمة كـ: خَلْفَ ضدَّ أمَامَ.

وذهب بعض المفسِّرينَ واللُّغويينَ إلى أنها قد تأتي بمعنى "أمام" فتكونُ مشتركةً بينهما، واحتجَّ بأمرين:

الأول: قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦)} [إبراهيم: ١٦] وجهنَّمُ (٢) إنما هي (٣) أمام الكافر، وكذلك قوله: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)} [إبراهيم: ١٧] وإنما العذابُ الغليظُ أمامَهُ، وفيما يستقبلُهُ.

الثاني: قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: ٧٩] أي: أمامُهم، بدليل قراءة عبد الله بن عباس: {وكانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ} (٤).

وهذا المذهبُ ضعيفٌ، و"وراءُ" لا يكونُ "أمامًا"، كما لا يكون "أمامُ" "وراءً" إلّا بالنسبة إلى شيئين، فيكون أَمَامَ الشيء وراءً لغيرِه"، ووراءَ الشيء أَمَامًا لغيرِه، فهذا الذي يعقلُ فيها، وأما أن يكونَ وراءُ


(١) في المطبوعات: "أحجر".
(٢) "ويسقى من ماء صديد، وجهنم" ساقط من (ع).
(٣) (ع): "أي: هو".
(٤) أخرجه البخاري رقم (٤٧٢٥)، ومسلم رقم (٢٣٨٠).