للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفساد اليوم؛ أهو أولى أم التغطية مع الفدا؟ وقد قالت عائشة - رضي الله عنها: "لو عَلِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحْدَثَ النساءُ لمنعهنَّ المساجِدَ" (١).

فأجاب: بأن الكشفَ شعارُ إحرامها، ورَفْع حكمٍ ثبتَ شرْعًا بحوادث (ظ/١٨٤ ب) البدَع لا يجوزُ؛ لأنه يكونُ نسخًا بالحوادث، ويُفضي إلى رفع الشَرْعَ رأسًا.

وأما قول عائشة؛ فإنها ردَّتِ الأمرَ إِلى صاحب الشرع (٢)، ففالت: لو رأى لَمنَعَ، ولم تمنعْ هي، وقد جَبَذَ عمرُ السُّتْرَةَ عنِ الأَمَة وقال: لا تَشَبَّهي بالحَرائر (٣)، ومعلوم أنّ فيهنَّ مَنْ تَفْتِنُ؛ لكنه لما وُضع كشف رأسها للفرق بين الحرائر والإماء جعله فَرْقًا، فما ظنُّك بكشفٍ وُضِع بين النسك والإحلال؟! وقد ندب الشَّرْعُ إلى النظر إلى المرأَة قبل النكاح، وأجاز للشهود النظرَ، فليس بِبدْعٍ أن يأمُرَها بالكشف، ويأمر الرجال بالغَضِّ ليكونَ أعظمَ للابتلاءَ، كما قَرَّبَ الصيْدَ إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه.

قلت: سببُ هذا السؤال والجواب خفاءُ بعض ما جاءت به السُّنَّةُ في حقِّ المرأة في الإحرام، فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يشْرَعْ لها كشفَ الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النَّصُّ بالنهي عن النِّقاب خاصَّةً، كما جاء بالنهي عن القُفَّازيْن، وجاء بالنهي عغ لُبْس القميص والسراويل، ومعلومٌ أن نهيه عن لُبس هذه الأشياء لم يُرِدْ أنها تكونُ مكشوفةً لا تسترُ ألبتّةَ، بل قد أجمع الناسُ على أن المُحْرِمَةَ تسترُ (ق/٢٦٣ أ) بَدَنَها


(١) أخرجه البخاري رقم (٨٦٩)، ومسلم رقم (٤٤٥).
(٢) (ق): "صاحبه".
(٣) أخرجه عبد الرزاق: (٣/ ١٣٦)، وابن أبي شيبة: (٢/ ٤١).
وفي (ق): "لا تشبَّهن" وكذا في بعض الروايات.